فؤاد الدوكو
عدد المساهمات : 54 تاريخ الميلاد : 12/04/1981 تاريخ التسجيل : 24/04/2012 العمر : 43 العمل/الترفيه : خراط
| موضوع: ن ملفات المخابرات العالمية ( فضيحة المخابرات البريطانية ) السبت مايو 05, 2012 5:37 am | |
|
قبل ان نتطرق الي الحديث عن هذة العملية اود ان اتحدث بشيء من الايجاز عن موضوع مهم جدا الحرب النفسية الاعلامية ( وبالبلدي كده ) كلنا مبهورين بعمليات المخابرات الامريكية والبريطانية وووو سواء خلال الحرب العالمية الثانية بالذات او بعدها وكام فيلم اتعمل عنها خلانا مبهورين جدا بيهم ووصل بينا الاعجاب لدرجه خلتنا مش واثقين في نفسنا ولا في جيشنا ولا في مخابرات بلدنا نرجع بقي للقصة دي من اهم فضايح المخابرات البريطانية تعالوا نقرا مع بعض والحكم ليكم ×××××××××××
ساد القلق أوروبا كلها, في تلك الأيام العصيبة, من نهايات عام1938 م, وبدايات1939 م, ففي تلك الآونة, كانت كل أجهزة المخابرات الأوروبية, وبالذات جهاز المخابرات البريطاني المعروف باسم( أي إم ـ6), تبذل قصاري جهدها, لتحديد أهداف( هتلر) الأساسية, التي تشف عنها خطبه الملتهبة, وتوعداته العصبية..وتحت قيادة الأدميرال سير( هوج سنكلير), راح جهاز المخابرات البريطاني يدس جواسيسه, في ألمانياوأوروبا, لجمع كل المعلومات الممكنة عن نوايا( هتلر) وطموحاته, واستعداداته لشن أية حروب قادمة.. وجاءت المعلومات مخيفة.. وإلي أقصي حد..
فالزعيم النازي يعيد بناء آلته الحربية, علي نحو لم تعرفه أية دولة, في أوروبا كلها.. دبابات.. طائرات.. مدافع طيران.. أسلحة خفيفة.. ذخائر.. كل شيء يتم إنتاجه بالمئات, وبأسلوب لا يمكن أن تسعي إليه دولة, لمجرد الحفاظ علي أمن وسلامة حدودها, بل دولة تستعد لشن حرب.. بل حروب.. وكان هذا يستدعي تدخلا حاسما.. وسريعا.. للغاية.. *** سرت موجة عنيفة من التوتر, في كيان ذلك العميل البريطاني, الذي لم تفصح الوثائق عن اسمه ابدا, وهو يعود إلي منزله, في قلب( برلين), في الخامسة من مساء ذلك اليوم, من بدايات1939 م.. فقد كان يمارس لعبة الجاسوسية في هدوء وثقة, وبنشاط جم, ويعود كل يوم إلي منزله, وجيوبه تحمل عشرات الصور والوثائق والمعلومات, و... ولكن دوام الحال من المحال, ففي ذلك اليوم, شعر ذلك العميل بأن الأمور لا تسير علي ما يرام.. هناك حتما من يراقبه ومن يتبعه, وهذا لا يمكن أن يعني سوي أمر واحد فقط لا غير.. لقد انكشف أمره بوسيلة ما..
وبكل قلق الدنيا, راح الرجل يحث الخطي, محاولا بلوغ أي شارع جانبي, ليتخلص من كل ما تحويه جيوبه, من أوراق وصور, تكفي لإعدامه في قلب أكبر ميادين( برلين), بلا أدني شفقة أو رحمة, في نفس اللحظة التي برز فيها رجل ضخم الجثة أمامه, يتطلع إليه بنظرة وحشية شرسة, قائلا بكل خشونة الدنيا: ـ لقد انتهي أمرك.
ومع آخر حروف كلماته, شعر العميل بضربة علي مؤخرة رأسه, غاب بعدها عن الوعي تماما.. ووفقا لتقريره, لم يدر كم مضي عليه فاقد الوعي, ولكنه عندما أفاق, وجد نفسه مقيدا بإحكام إلي مقعد ثقيل, داخل قبو رطب, مضاء بمصباح واحد باهت, وسمع صوتا يهتف في قوة هايل هتلر. وعندئذ أدرك العميل أن ضابطا من الضباط الكبار قد وصل إلي المكان, فرفع عينيه يتطلع إلي ذلك الزي الرسمي, الذي ملأ بصره كله, قبل أن يتطلع إلي وجه الضابط( شلنبرج) مباشرة..
اتركنا وحدنا...
انطلق صوت( شلنبرج) بذلك الأمر الصارم, الذي استقبله الرجل بتحية عسكرية قوية, وأسرع ينفذه دون أدني اعتراض أو مناقشة, حتي أصبح الضابط النازي الوسيم وحده في القبو, يتطلع في صمت صارم, إلي العميل, الذي سرت في جسده قشعريرة باردة كالثلج, حتي سأله( شلنبرج) فجأة: ـ أنت تعمل لحساب البريطانيين.. أليس كذلك؟!
صعقت العبارة العميل, فحدق فيه بكل ذهوله, دون أن يخطر بباله لحظة واحدة أنه يشهد مولد أخطر عملية مخابرات, في تاريخ الحرب العالمية الثانية... وبكل ذهوله, هز رأسه, وكأنما يحاول إيقاظ نفسه مما يسمعه, لو أنه مجرد حلم, وعاد يحدق في( شلنبرج), الذي مال نحوه, وتطلع إلي عينيه مباشرة, حتي خيل للرجل أنه قد اخترق كيانه حتي النخاع, وهو يقول بمنتهي الصرامة: ـ أريد موعدا مع رجال المخابرات البريطانية.
وكانت مفاجأة للعميل.. مفاجأة مذهلة.
وفي نهار أحد أيام أوائل( فبراير), عام1939 م, وعلي الرغم مما بدا عليه مبني جهاز المخابرات البريطاني( إم ـ أي ـ6), من هدوء وصمت, في تلك الساعة, إلا أن إحدي حجراته كانت تشهد نشاطا مكثفا, ومناقشات حامية متصلة, منذ غروب شمس اليوم السابق, فبمنتهي الدقة, راح مدير المخابرات ـ آنذاك ـ( هوج سنكلير), يراجع مع نائبه( فنرز), ورجليه( بست) و(ستيفنز) تفاصيل ذلك العرض المدهش, الذي عاد به عميلهم الألماني, من قلب( برلين), ويدرسون كل الاحتمالات, وكل الملابسات, بما فيها احتمالات الخداع والتحايل, وخاصة بعد أن اعلمهم( شلنبرج) بأنه أحد المنشقين عن النظام النازي, في قلب جهاز مخابراته الرهيب, وعلي الرغم من صعوبة ودقة الموقف, تقرر قبول عرض ( شلنبرج), خاصة وقد تطورت الأمور بسرعة, في الأشهر القليلة التالية, علي نحو مخيف, جعل الاتصال بالميجور الألماني( شلنبرج), ومجموعته من المنشقين العسكريين, أمرا حتميا لا يقبل الجدل, أو حتي التأجيل لحظة واحدة.
ففجأة بدأ الفوهلر الألماني أدولف هتلر, في تنفيذ مخططاته الاستعمارية التوسعية, لمد نفوذ( ألمانيا) النازية, الي( أوروبا) كلها, لم يكن هذا مفاجئا للجميع في حد ذاته, إلا أن البداية جاءت دون أن يتوقعها أحد بحجة استعادة( ألمانيا) لما فقدته في الحرب العالمية الأولي, بسبب معاهدة( فرساي) للاستسلام..
وعلي الرغم من وضوح الصورة وقوتها, التزمت معظم بلدان( أوروبا) بالحذر, ورفضت إعلان الحرب علي( ألمانيا) ما لم تحتم الظروف هذا..
ولقد التقي( بست) و(ستيفنز) بالميجور( فالتر شلنبرج) شخصيا, في مدينة( برن) السويسرية المحايدة, وقضيا معه بعض الوقت, الذي انتهي باقتناعهما به, وبحماسه الشديد, في مقاومة النظام النازي, وبذل أقصي جهد لإسقاطه..
وبخطوط بسيطة, ودون الدخول في التفاصيل, شرح لهما( سلنبرج) أسلوب تنظيم المجموعة, وقدراتها, واحتياجاتها, مؤكدا أن كل ما يطلبونه هو بعض الدعم المادي, مع وعد من البريطانيين بعدم استغلال ضعف( ألمانيا) خلال فترة إسقاط النظام النازي, للانقضاض عليها واحتلالها..
ومن( برن), عاد( شلنبرج) بالميجور إلي( برلين), في حين اتجه( بست) و(ستيفنز) مباشرة إلي ( لندن), دون أن يدركا أن ما حملاه معهما سيقلب الأمور كلها رأسا علي عقب.. وبمنتهي العنف. ***
من الأمور التي يجهلها العديدون, أن عمل أجهزة المخابرات ليس عسكريا بالدرجة الأولي, ولكنه أحد أعمال السيادة والسياسة, ليس لوسائله, ولكن لنتائجه, التي هي في نهايتها نتائج سياسية محضة, مهما اتخذت من صور وسيطة, خلال مرحلة التنفيذ,, ولهذا السبب, كان من الطبيعي أن يحمل مدير المخابرات البريطانية( هوج سنكلير) تقارير( بست) و( ستيفنز), ليضعها كلها أمام رئيس الوزاء البريطاني ـ آنذاك ـ( نفيل تشامبرلين).. وفي ظروف أوروبية مشتعلة كهذه, كان من الطبيعي أن يلغي رئيس الوزراء البريطاني كل مواعيده, وأن يجتمع طويلا بالأدميرال( سنكلير), ويستمع إلي كل التفاصيل, ويقرأ بنفسه كل التقارير.
وعندما اتخذ رئيس الوزراء البريطاني قراره, بإمساك العصا من منتصفها, بدأت عملية الاتصال بالمنشقين العسكريين الألمان تتخذ مسارا مميعا إلي حد ما, علي الرغم من تواصل الاتصال بالضابط الألماني( شلنبرج), الذي شكا أكثر من مرة, من ضعف التمويل, وإضاعة الوقت في روتينيات بيروقراطية معقدة, دون القيام بإجراء حاسم, أو اتخاذ قرارات حازمة...
وعلي الرغم من استمرار( بست) و(ستيفنز) في عملهما, ومن التقائهما بالألماني( شلنبرج) مرتين أخريين, خلال الفترة من أوائل مارس, وحتي أوائل سبتمبر1939 م, إلا أنهما قد فقدا الحماس للعملية إلي حد ما, ثم فجأة, تطورت الحرب, وتطورت معها كل الأمور... ففي أغسطس1939 م, عقد ( هتلر) مع الاتحاد السوفيتي ميثاق عدم الاعتداء, وأصبح حرا في قطع مفاوضاته مع دول( أوروبا), ثم هاجم( بولندا), في الأول من سبتمبر, مما دفع( انجلترا), وغالبية دول الكومنولث, و(فرنسا) إلي إعلان الحرب علي( ألمانيا) رسميا, في الثالث من سبتمبر...
ومع إعلان الحرب, تم استدعاء( هوج سنكلير) لمقابلة رئيس الوزراء( تشامبرلين) فورا, ودون إضاعة لحظة واحدة..
ثم صدر أمر ببدء العملية فورا.
ومع صدور قرار رئيس الوزراء البريطاني, بتنشيط وإحياء عملية الاتصال المباشر, مع( شلنبرج) ورجاله عاد النشاط والحماس يدبان في نفسي الكابتن( بست) والميجور( ستيفنز) مرة أخري. وبعد اجتماع دام ثلاث ساعات متصلة, بين( سنكلير) و(فنرز), ورجلي المخابرات, تقرر الاتصال بالألماني, وإبلاغه بتطور الموقف, وبضرورة عقد لقاء مباشرا, في أقرب فرصة ممكنة, لتحديد خطوات المرحلة القادمة, وتقديم كل التسهيلات والخدمات, ووسائل التمويل الممكنة, وهنا اقترح ( بست) ألا يتم لقاء( شلنبرج) وحده, وإنما الإصرار علي مقابلة بعض الضباط, المشاركين معه في تلك الخلية المنشقة, كضمان لصدق مزاعمه قبل التعامل معه بهذا الانفتاح.. ولقد وافق الكل علي هذا الاقتراح, دون استثناء واحد, ولكن مع تحفظ( فنرز)..
وعن طريق عميل ألماني آخر, تم إبلاغ( شلنبرج) بالأمر, وبأهمية الوقت البالغة هذه المرة... وفي الأول من نوفمبر1939 م, وصلت الي المخابرات البريطانية رسالة من( شلنبرج), بخطه وتوقيعه, والكود السري المتفق عليه, للتأكد من صحة الرسالة, مع تحديد موعد للقاء بالمجموعة القيادية للضباط المنشقين, في الثامن من نوفمبر عند النقطة الحدودية, الموجودة في بلدة( فنلو) الهولندية, علي مسافة أمتار قليلة, من الحدود الألمانية... وبعد إعادة دراسة الموقف كله, تم أتخاذ القرار الحاسم.. لابد وأن تتم عملية( فنلو).... وفورا... ****
انطلقت زفرة ملتهبة كالحمم, من صدر( ستيفنز), وهو يتطلع عبر زجاج السيارة الصغيرة, إلي الجزء الواضح من الطريق, الذي يقود إلي تلك النقطة الحدودية الهولندية, في بلدة( فنلو) الصغيرة, عند الحدود الألمانية, في ليلة الثامن من نوفمبر عام1939 م, قبل أن يتراجع في مقعده, ولكنه لم يكد يفعلها, حتي لاح ضوء مصباحي سيارة من بعيد, أضيئا وانطفآ مرتين متعاقبتين, فاعتدل الاثنان في مقعديهما, وقال( بست) في انفعال: ـ لقد وصل. نطقها, علي الرغم من أنه كان يشعر في أعماقه بقلق مبهم... قلق عجيب, جعله يشعر أن هذا اللقاء بالذات, سيختلف عن كل ماسبقه, وستكون له نتائج خطيرة.. خطيرة للغاية.
و...وفجأة انقضت سيارة ألمانية الصنع علي الكوخ, لتحطمه مع حاجز الحدود تماما, وتتحطم معه أيضا, وفي لحظة واحدة, وبتناسق مذهل, وثب أربعة رجال من السيارة, وراحوا يطلقون النار علي حرس الحدود الهولنديين, بغزارة وشراسة لاحدود لهما, وخاصة بالنسبة لبلد محايد مثل( هولندا).
وكمحترفين, سحب( بسنت) و(ستيفنز) مسدسيهما, ودفع كلاهما باب السيارة المجاور له, واندفعا محاولين التدخل, أو حماية نفسيهما علي الأقل.. ولكن فجأة, وجدا كومة من فوهات المدافع الآلية في وجهيهما, مع هتاف صارم, يقول بالألمانية دون أية محاولة للترجمة.
ولم يكن هناك سبيل للمقاومة, أو حتي للتفكير فيها, مع ذلك الفارق الملحوظ, في العدد والسلاح, لذا فقد استسلم رجلا المخابرات البريطانية, وألقيا سلاحهما أرضا.. وعلي الرغم من أن المسافة, التي تفصل الحدود الهولندية عن( برلين), ليست بالبسيطة, فقد كانت أوامر الفوهلر تحتم وصول ضابطي المخابرات البريطانيين إلي العاصمة, في أسرع وقت ممكن, بعد وقوعهما في قبضة رجاله, لذا فما أن تجاوزت السيارة الألمانية الحدود بأسيريها, حتي كانت في انتظارها طائرة خاصة, تم نقل( بست) و( ستيفنز) إليها معصوبي الأعين, ومقيدي المعصمين خلف ظهريهما في إحكام, لتقلع الطائرة فورا, في اتجاه( برلين).. ومع هبوطها هناك, حملت سيارة خاصة, محاطة بحراسة مكثفة, علي نحو مبالغ, ضابطي المخابرات البريطانيين إلي سجن خاص, في قلب بيت الثعالب نفسه.. وهناك, وسط رجال( الجستابو) وجهاز( إس ــ دي), أدرك( بست) و(ستيفنز) أنهما قد سقطا في قبضة العدو, وأن مصيرهما سيكون رهيبا حتما... قبل حتي أن يسمعا صوتا, يقول في صرامة قاسية: ـ ارفعوا العصابات عن عيونهما.
ومع قوله, رفع بعضهم العصابات السوداء عن عيون( بست) و(ستيفنز), ولثوان, بهرهما الضوء, فأغلقا عيونهما قليلا, ثم فتحاها, لتتسعا عن آخرهما, وهما يحدقان في ذلك الضابط النازي, الذي وقف أمامهما في زهو ظافر, وهو يقول: ـ مرحبا بكما في أرضنا فذلك الضابط كان( شلنبرج)... الميجور( فالتر شلنبرج).. شخصيا.. ***
لأول مرة في حياته, منذ التحق بالمخابرات البريطانية, تم استدعاء( ستيوارت ج. فنرز), إلي مكتب رئيس الوزراء شخصيا, الذي سأله فور دخوله: ـ ما مدي سوء الموقف في رأيك ؟! مط ( فنرز) شفتيه, وهز رأسه, قائلا: ـ الموقف بلغ أقصي درجات السوء ياسيادة رئيس الوزراء, فسقوط عميل للمخابرات, تم تدريبه علي نحو جيد يعد خسارة كبيرة لأي جهاز, أما سقوط ضابط مخابرات, في قبضة جهاز معاد, فهو كارثة كبري, بكل المقاييس. اعاد الجواب( تشامبرلين) إلي شحوبه وامتقاعه, فبقي علي مقعده صامتا كالحجر لفترة طويلة, قبل أن يتساءل بصوت سمعه( فنرز) بالكاد: ـ هل تقترح شيئا لتفادي الانهيار الكامل ؟!
أجابه( فنرز) في سرعة, وكأنه كان ينتظر السؤال ويتوقعه: ـ بالتأكيد.. لابد وأن ننسي امر( بست) و(ستيفنز) وكل ما لديهما من معلومات, وأن نعيد بناء وتنظيم كل شيء علي نحو جديد بحيث لا تعود لمعلومات النازيين عن نظمنا أية قيمة... سنغير وسائلنا وأقسامنا, وأسلوب تعاملنا مع المعلومات, وكذلك أسلوب تعامل رجال المخابرات معها.. كل ضابط سيعرف ما يخصه منها فقط, من الآن فصاعدا, لا أحد سيطالع عمليات الآخرين, إلا للضرورة القصوي, لتفادي حدوث أية كوارث مماثلة مستقبلا وأسماء عملائنا أنفسهم ستوضع في خزانة خاصة في مكتب مدير الجهاز وحده, بحيث لا يعرف الضابط سوي الأسماء الكودية وحدها وسنعمل فورا علي تجنيد عدد جديد من العملاء في مختلف بلدان( أوروبا), و.. قاطعه( تشامبرلين) وهو يعتدل ويلتقط ورقة معدة مسبقا أمامه قائلا: ـ هذا يكفي.. ستتولي امر جهاز المخابرات البريطاني, حتي يشفي( سنكلير) من مرضه أو.. أو تتغير الأمور وبلهفة حقيقية, التقط( فنرز) القرار قائلا: أعدك بألا أخذلك أبدا, ياسيادة رئيس الوزراء..
ولقد كان( فنرز) صادقا للغاية في عبارته الأخيرة هذه فقد بدأ عملية الإصلاح الهيكلي لجهاز المخابرات البريطاني( إم ـ أي ـ6), فور وصوله إلي مكتبه, كرئيس مؤقت للجهاز.. وفي الرابع والعشرين من نوفمبر, توفي( سنكلير) متأثرا بتلك الهزيمة البشعة, التي اختتم بها ملفه, واصبح( ستيورات ج فنرز) هو الرئيس الفعلي للمخابرات البريطانية.
وفي الوقت ذاته, كان الكابتن( س. باين بست) والميجور( هـ. ر. ستيفنز) قد انهارا من وطأة التعذيب الوحشي الرهيب, الذي تعرضا له علي يد( شلنبرج) الهاديء الوسيم, وطاقم خبراء جهاز( إس ـ دي) وراحا يدليان بما لديهما من معلومات, ويبوحان بكل ما في جعبتهما من معارف وأسرار.. وكان لديهما الكثير بالفعل.. والكثير جدا.. ولقد أدي ما حصل عليه الألمان, عبر خدعتهم هذه, إلي القضاء علي معظم أفراد شبكة جاسوسية ( إم ـ أي ـ6), في( أوروبا) كلها, وقد كشف ضابطا المخابرات البريطانية أيضا عن عملاء بلجيكيين وهولنديين.. وفي بيان أدلي به( هنريش هملر) لتبرير احتلال( ألمانيا) لدولتي( هولندا) و(بلجيكا) في مايو1940, استخدم رئيس جهاز( إس ـ دي) تلك المعلومات, التي تم انتزاعها من رجلي المخابرات البريطانيين لتأكيد كلماته وقوته..
وفي الوقت ذاته, أعلنت( ألمانيا) للعالم كله, أن المخابرات البريطانية قد تآمرت لقتل( هتلر) وأنه قد نجا من الحملة بأعجوبة.. ولقد تمت مكافأة( شلنبرج) بسخاء ومنحه( هتلر) بنفسه الصليب الحديدي, من الطبقة الأولي, وهو أعلي وسام للشجاعة, في( ألمانيا) كلها, تقديرا لدوره في عملية( فنلو) مما رشحه فيما بعد للقيام بعملية لاختطاف دوق( وندسور), في عملية مدهشة أخري, ربما يتم نشر وقائعها, في القريب العاجل جدا..
أما( تشمبرلين) فقد حطمته تلك العملية تماما, وبخاصة لما تسببت فيه من خسائر حربية فادحة, وهزائم متوالية, أجبرته علي الاستقالة, وإفساح الطريق أمام منافسه( وينستون تشرشل) الذي اعتلي كرسي رياسة الوزراء مؤيدا تلك التغيرات الجذرية,, التي أجراها( فنرز) ومصرا علي التصدي للخطر النازي, حتي أسقطه في عام1945 م.. ولكن حتي هزيمة( ألمانيا) وخسارتها للحرب العالمية الثانية, لم تنجح في محو ما قام به جهاز مخابراتها, مع الأشهر الاولي للحرب, ليحفر اسمه في تاريخ عالم المخابرات إلي الأبد, بتلك العملية التي قلبت الدنيا كلها رأسا علي عقب.. عملية( فنلو).
| |
|