يثبت التاريخ دوما ان رجال مصر
كانوا دوما على قدر المصاعب التى تواجههم وانهم استطاعوا تحويل الهزيمة فى
يونيو 67 إلى نصر ساحق فى أكتوبر 73، و على الرغم من الخسائر التى منيت بها
القوات الجوية عقب الاجتياح الإسرائيلى إلا أن نسور مصر استطاعوا أن يردوا
لإسرائيل الصاع صاعين و أكثر
واردت ان ابدأ بسلاح الطيران الذى تباهى المخلوع انه كان وكان وكأنه حارب وحده
اقدم لكم شهادة احد نسور مصر على مرحلة عمل فيها كل فرد داخل وخارج الوطن لتحقيق نصر استغرق 6 سنوات فى صناعته

شهادة اللواء ممدوح حشمت لمجلة اكتوبر:


«التحقت بالكلية الجوية فى 18 أكتوبر 1961 و تخرجت فى 1/4/1965 كطيار مقاتلات».

و بعد تخرجى التحقت بوحدة تدريب المقاتلات و التى كانت تتمركز فى مطار
كبريت شرق البحيرات المرة، و فور انتهاء فرقة التدريب القتالى على الميج-15
تم توزيعى على مطار غرب القاهرة لكى التحق بفرقة تدريب على الطائرة
المقاتلة ميج- 21، و هى تعتبر أحدث المقاتلات فى مصر و الشرق الاوسط بأكمله
فى حينها، و بعد انتهاء فرقة التدريب على الميج- 21، تم توزيعى على سرب
مقاتلات ميج- 21 و خدمت فيها فترة سنتين حتى 15 مايو 67 عند إعلان الطوارئ
انتقلنا من مطار غرب القاهرة إلى مطار فايد ثم حدثت معارك 5 يونيو 67 و كنت
موجودا فى فايد.

النكسة:


5 يونيو كان فى بدايته يوما عاديا، فقد كنا فى حالة طوارئ مستمرة منذ 14
مايو، و أود أن أشير إلى أنه فى ذلك اليوم لم يكن هناك حفلة فى المطار
مثلما قيل فى الصحف بعد ذلك، نعم كانت هناك حفلة فى مطار أنشاص، لكنها كانت
مقصورة على الرتب الكبيرة من الموجودين فى المطار فقط.


لكننى كنت واحدا من الطيارين المتواجدين فى مطار فايد و هذه الحفلة لم
تمسنى من قريب او بعيد و لم تؤثر على أدائى بأى شىء و هذا تسجيل منى
للتاريخ و لكيلا يتم تحميل تلك الحفلة مسئولية أداء الطيارين فى النكسة.


و لكى تكون الصورة واضحة، فقد كنا ثمانية طيارين فى حالة الاستعداد الأولى
فى المطار،مع بداية أول ضوء اربعة من طائرات الميج-21 و أربعة من طائرات
السوخوى. كان معى حسين عصمت، و أيضا سمير عزيز لكن لا أتذكر قائد التشكيل
لاننا كنا من أصغر الطيارين، فقد رفضنا النوم فى الميس (مكان نوم
الطيارين)، فمن المفترض أن نغادر اماكن نومنا قبل اول ضوء لكى نستلم مهمة
الطوارئ، و لاننا كنا متحمسين جدا و روحنا المعنوية عالية بشكل كبير، فقد
قررنا الا ننام فى الميس، و أن ننام فى غرفة الطوارئ نفسها حتى نكون أقرب
لطائرتنا و نستطيع ايضا أن نكسب 15 دقيقة، و على ذلك فقد امضينا ليلتنا فى
غرفة الطوارئ، و فى الصباح كانت الميج- 21 تقوم بعملية تسخين للمحرك، لأن
المحركات يجب أن تدور لكى تسخن كل صباح،حيث كانت الميج- 21 الموجودة فى مصر
من أول الطرازات طراز (أف13) نهارى و كانت تحدث لها مشاكل فى دوران
المحرك، فتم الاتفاق على عمل ادارة لمحركات الطائرات كل أول ضوء، و بالفعل
ذهبنا و عملنا ادارة للمحركات و عدنا مرة أخرى لغرفة الطوارئ، و نظرا لأن
حالة الجو كانت ضبابية بشكل كبير، فقد انتظرنا حتى تتحسن الرؤية لكى نركب
طائرتنا و نربط الأحزمة انتظارا لاى طوارئ.


و مع ظهور الشمس، وجدنا الشبورة مازالت كثيفة، و أبلغنا برج المراقبة بأن
الرؤية لا تزيد على 200 متر، و أضاف الضابط لنا (خليكو مستريحين لحد ما
الرؤية تتحسن و هنبأه نبلغكم).


فسألت ضابط برج المراقبة «طب يا سيدى عندك يومية طيران إيه؟؟»


فرد الضابط «احنا عندنا الميج حجرتين حجرتين (كذا و كذا) و سوخوى (كذا و
كذا) و فيه عندنا كمان 4 طيارات ميج-19 جيين من المليز علشان الورش بتاعتهم
عندنا جيين يعملوا صيانة»


و عندنا فى حالة الطوارئ يكون الطيران شق تدريبى و شق عمليات، التدريب يكون فى يومين الطائرات للتدريب.

اما العمليات تكون مخططة و محددة كجدول يومى مثل المظلات و الحالة الأولى و
إلخ يكون لكى شىء جدول و به اسم الطيار و وقف التنفيذ و كان هذا الحال من
يوم 15 مايو حتى 5 يونيو.

و عادة عندما ينضم طيارون جدد إلى أى مطار،فاننا نقوم بطلعات متعددة
لاستطلاع المنطقة و التعرف عليها و تكون هنالك طلعات تدريب مكثفة لحفظ
معالم المنطقة، و يمكن دمج طلعات التدريب مع طلعات المظلات الجوية و التى
تكون هدفها هو حماية المطار من أى هجوم معاد، و كانت لنا منطقة مظلات
أمامية داخل سيناء و قرب القناة، و كنا نطير فوق تلك المناطق، و نظرا لعدم
وجود أى شواهد على حرب قريبة رغم الحشد العسكرى و الاعلامى،فإننا كنا نقوم
بأعمال المظلات كنوع من انواع التدريب، فرغم أن الطائرات تكون مسلحة
بالصواريخ إلا أن شعورنا كان أننا لن نحارب، و أن ما يحدث ليس أكثر من
حملات اعلامية و حربا نفسية متبادلة.


و كانت تعليمات القتال تقضى بأن كل طائرة تقلع يجب أن تكون مسلحة بصاروخين
نعود إلى أحداث 5 يونيو، فبحلول الثامنة و الربع جاء البلاغ بأن الرؤية
أصبحت 2 كيلو متر، مما يعنى إمكانية الطيران، فدخلنا الغرفة و استكملنا
ملابس الطيران و خرجنا للطائرات التى لا تبعد عنا أكثر من مائة متر، كان
معى سمير عزيز و فريد حرفوش، و فوجئنا بطائرتين تطيران عكس اتجاه الممر و
يقومون بالتسلق للارتفاع، و كان اول انطباع أنهما طائرات الميج-19 المقرر
حضورها لاعمال الصيانة و هذا الشكل يدل على معنى هجومى، و بعد اجزاء من
الثانية شاهدنا الطائرتين تقتربان تجاههنا و سمعنا صوت «طقطقة» ناتجة عن
اصطدام الطلقات ببدن الطائرات، و فجاة انفجرت طائرتى الحالة الاولى، و فى
نفس الوقت ظهرت طائرات أخرى، طائرتان تقصفان منتصف الممر، و طائرتان
تهاجمان باقى طائرات الحالة الاولى.


فى تلك اللحظة و وسط ذهول تام قال ضابط برج المراقبة (يا فندم السيد نائب
رئيس الجمهورية بالطيارة اليوشن، عمل تاتش على أول الممر) فمن حظه انه هبط
على اول الممر فقد كانت القنابل ضربت نصف الممر.


خرجنا بسرعة من حالة الذهول السريع إلى حالة الغضب و الحنق فبدأنا نصيح و
نسب اليهود الذين هاجمونا و نحن على الارض فى نهاية الهجمة كانت 4 طيارات
حالة اولى قد حرقت و 4 طائرات حالة ثانية دمرت تماما، و منتصف الممر أنضرب
الطائرة اليوشن نزلت فى 500 متر فقط و كانت أمامها فجوات قنابل و أخبرنا
الطيار ألا يحرك طائرته، و نزل الوفد الرسمى من الطائرة سريعا وسط أصوات
الانفجارات و الحرائق حوله فى أنحاء الممر و انطلقت مع فاروق حماد بسيارته و
أحضرنا الوفد الذى كان به حسين الشافعى نائب الرئيس و الطاهر يحيى نائب
الرئيس العراقى و الحاشية الخاصة بهما، و لاحقا اصطحبناهم إلى نادى الضباط
فى فايد وسط حالة من الذهول الكامل.


احتراق ثلاث طائرات :


بعد الهجمة الاولى بـ 8 دقائق وجدنا الموجة الثانية فوق رأسنا، و قامت بنفس
عمل الموجة الأولى تماما، حيث قصفت الممرات و تقاطعاتها، ثم بدأت تضرب
طائراتنا الواقفة على الأرض الواحدة تلو الأخرى.


بعد أقل من أربعين دقيقة من الهجمة الأولى، كانت طائرات الميج-21 كلها قد
دمرت تماما، الطائرات الوحيدة المتبقية فى مطار فايد كانت سوخوى و التى كان
عليها شباك تمويه فصدرت لنا الأوامر بأن تتحرك مع سيارات حسين الشافعى و
الوفد المرافق له إلى نادى ضباط فايد ثم ننطلق بعد ذلك تجاه مطار المنصورة،
لوجود طائرات عاملة فى المنصورة عندما وصلنا المنصورة لم نجد غير ممر و
كشك صغير به جهاز لاسلكى، و الفلاحين تتحرك فى ارجاء المطار بحرية تامة فلم
يكن مطارًا بمعنى الكلمة، و قابلنا عقيد طيار على زين العابدين و كان
قادما من الغردقة و هبط بميج- 21.


و هناك قدموا لنا وجبة غداء من (الجبنة.. و القته) كان ذلك حوالى الساعة 2
ظهرا، و بعدها صدرت لنا أوامر أخرى مختصرة جدا (روحوا أنشاص) فوصلنا انشاص
قبل آخر ضوء بنصف ساعة و كان بالمطار ميس السرايا و كان هناك قصر قديم
للملك فاروق خارج المطار مخصصا لمعلمى الطيارين، فدخلنا على الميس و بدأنا
نستمع للقصص من باقى الطيارين فسمعنا أنه كانت هناك طلعات من انشاص و ان
نبيل شكرى أسقط طائرة فوق المطار، و أن طيارين شاهدوا لورى جيش قادما من
الإسماعيلية و معلق على مقدمة اللورى جثة طيار يهودى قتيل.


فجلسنا نستمع للحكايات و من طلع و من ضرب و دخل علينا آخر ضوء، و الله كنا
بنلم العيش من ارض الميكروباص علشان نأكله من كتر الجوع و قلة الأكل، و فى
النهاية دخلنا للنوم و لم تكن هناك كهرباء أو سراير، تصرف كل منا وفق
مهاراته الخاصة فى التأقلم، و نمت بدون ان اعرف من ينام فى نفس الغرفة أو
كم عدد من ينام بجوارى.


و بعد منتصف الليل بقليل دخل قائد سربى و الذى عرفته من صوته و كان اسمه
(اموزيس) و سأل فى الظلام عن افراد سربى، فقمت و انا لا أكاد أرى أمامى، و
لا ارى سوى ضوء مصباح قائدى و نزلت مع قائد سربى و ركبت الميكروباص مع سمير
عزيز و حرفوش و توجهنا لمطار القاهرة الدولى و وجدنا قائد القاعدة كان
اسمه حسن سليم قائد لواء الأنتونوف و الذى أخبرنا بأن نتوجه للنوم فى عنابر
الحجر الصحى، و بالفعل نمنا على أسرة المرضى و لم تكن طريقة مريحة للنوم
لكنها افضل المتاح.


و فى اليوم التالى وجدنا قائد سربنا اموزيس يصرخ بصوت عال و يكاد يشد شعر
رأسه قائلا (الحقونى تعالوا شوفوا الراجل المجنون بيقول إيه) و استكمل
(الراجل إدانى صورة فيها صحرا و ممر فى النص بس.. قال بيقول اطلعوا اضربوا
الممر ده فى إسرائيل، و لما قلت له معناش قنابل، قال لا.. اضربوا الصواريخ
عليه بس، قلت له يافندم الطيارات مش هتوصل رد على لا-لا هتروح انشاء الله)
هل تتخيل شكل الحوار، فضابط عمليات كبير يطلب من قائد سربى ضرب ممر على
الارض فى إسرائيل بصواريخ و رغم أن الوقود لن يكفى وصولنا، إلا أن ضابط
العمليات كان مصرا.


و عندما نزلنا إلى مكتب قائد القاعدة وجدنا حشدا من القادة و كبار طيارى الميج- 21، كل طيارى الميج-21 كانوا هناك تقريبا.


و بحلول الساعة 6 صباحا تلاشت الافكار بخصوص توجيه هجوم نحو مطار فى
إسرائيل، اخبرونا بأن عدداً من الطيارين للتوجه إلى الجزائر و عددا آخر
سيتجه إلى العراق بطائرات النقل، و وقع الاختيار علىَّ للتوجه إلى الجزائر
ضمن عدد يشمل معى اموزيس و الذى كان قائد السرب و حوالى 12 منهم اموزيس،
زيدان، سمير فريد، عز الدين أبو الدهب، فوزى سلامة تيسير، سمير عزيز، فريد
حرفوش، سيد صقر، و سمير عبد الله و ركبنا الطائرة و حلقنا إلى الجزائر.


و هناك وجدنا عددا محدودا من طائرات الميج- 21 لا تكفى عددنا، فتم تسليمنا
عددا من طائرات الميج 17 لاستكمال العدد و الذى يعادل عدد الطيارين، و كانت
مشكلتى انا و حرفوش أننا لم نطير ابدا على الميج 17، فأخذنا سمير عبد الله
و بدأ يشرح لنا الاجهزة المختلفة فى الطائرة و وظيفتها المختلفة فى درس
سريع جدا، و تحركنا على الممرات الفرعية لكى نعتاد على الطائرة. و هنا يجب
أن أشير إلى أن الأخوة الجزائريين قابلونا بحماس منقطع النظير لا حدود له و
حلوا لنا كافة المشكلات، فالطائرات فى أحسن حال لها و عمرها 30 دقيقة
(الفلاينج تيست) فقط، اى أنها مازالت بحالة المصنع و لم تطر قبلا.

كان الجو سيئا جدا هناك فى الجزائر و زاد سوءا عندما انتقلنا إلى الجنوب فى
مطار آخر، كان مليئا بالعقارب، فأعطونا أكياس مراتب و أخبرونا ان ننام
داخلها خوفا من العقارب و بأن ننام على سرير من الجريد لنفس السبب.

و انتقلنا إلى المطار التانى اسمه بوفريك يوم 8 يونيو و تنحى جمال عبد
الناصر فى نفس اليوم و سمعنا الخطاب فى الإذاعة، فحضر إلينا الاشقاء
الجزائريون و القوا بالقبض علينا، و وسط ذهول منا قاموا بترحيلنا إلى مدينة
اخرى و وضعونا فى مطار اسمه بليدا تحت حراسة مسلحة فى تصرف غريب جدا و غير
مبرر حيث كان السباب و الشتيمة هو الرد الوحيد عن أى استفسار منا.


و فى اليوم التالى تراجع جمال عبد الناصر عن قرار تنحيه فأفرج الاخوة
الجزائريون عنا و بدءوا يمدحون فينا و يرفعون روحنا المعنوية، و عرفنا أن
سبب التغير فى المعاملة يرجع إلى تنحى الرئيس جمال عبد الناصر، و أنهم
اعتبروا ذلك هزيمة لرجل ساعد فى تحرير بلادهم و لم يقبلوا منه الاستسلام
للهزيمة، فكان موقفهم عربيا خالصا لكنه غريب أيضا.


و طرنا يوم 11 فى طريق شاق يتخلله عدة محطات لتموين الوقود و نزلنا فى
الجزائر العاصمة ثم تونس فليبيا ثم دخلنا الحدود المصرية فنزلنا مرسى مطروح
و القاهرة الدولى يوم 12 يونيو مساء كنا 12 طيارة، و 11 طيارا مصريا و
طيار جزائرى اسمه الزيتونى جاب الله، رجع معانا بالطيارة عمل بيها حدثة فى
القاهرة و حطم الطائرة تماما.


كان يوم عودتى هو أسوأ يوم فى حياتى، فقد عرفت مدى حجم الدمار و الخسائر
التى حاقت بنا، و عرفت أن عددا كبيرا من دفعتى قد استشهدوا و شاهدت الوجوم و
الكآبة تطل بكل وضوح من العيون، و كان الفزع و التخبط و الارتباك هى السمة
السائدة، فلو اصطدم طرفا الشباك الخشبى ببعضهما البعض، تجد الجميع منبطحا
على الأرض فزعا و خوفا، و بعد فترة تجد طائرة ميج 21 تصطدم على الأرض
بطائرة اليوشن للنقل فتزداد معاناتنا النفسية و يتردد فى العقول قول واحد
(هو احنا ناقصين بلاوى)، و بعد فترة يقلع تشكيل من أربع طائرات و بعد دقائق
تعود طائرة واحدة فقط فتزداد معنوياتنا تحطيما، فكان بلا ادنى شك أسوأ يوم
مر على فى حياتى كلها، و زاد من معاناتى الشخصية أننى لم يكن معى طائرة،
فقد عدت من الجزائر بطائرة ميج 17 و لم تكن تخصصى و فى نفس الوقت لم يكن
هناك فائض فى طائرات الميج 21 فظللت مشاهدا فقط لما يحدث أمامى.


يقول اللواء طيار ممدوح حشمت: طبعا وضح من الحرب أننا لا نعرف أى شيء عن
العدو، مثال ذلك أن مطار المليز أرسل طائرتين للاستطلاع من ارتفاع عشرة
كيلو مترات، فماذا يمكن أن يروا من هذا الارتفاع خاصة أن الطائرات لم تكن
مجهزة بأية معدات استطلاع، فقط ورقة و قلم و الطيار يدون ما يراه، و حدث
اعتراض من العدو لهاتين الطائرتين و عادتا مرة أخرى إلى قاعدتيهما.


و لتوضيح صورة الاستطلاع فى يونيو 1967 بالتحديد يجب أن نذكر أن المعلومات
كانت تأتى أساسا من القوات البرية إلى فرع الاستطلاع بالقوات الجوية، و
حدثت معارك 14 و 15 يوليو القوية و التى أعادت إلينا جزءاً كبيراً من الثقة
المفقودة، و كنت وقتها فى بنى سويف تحت قيادة المقدم طليبة ندرس لدفعتى
طيارين (الدفعة 18 و الدفعة 20) على طائرات الميج 17 و كان معى حمدى عقل و
عبد الرحيم صدقي، و أثناء طيراننا التدريبى سمعنا حوارات الطيارين فى أثناء
تنفيذهم الهجمات فوق القوات الإسرائيلية.


نواة الاستطلاع الجوى:


و فى شهر أغسطس أخبرونا بأن القيادة قررت تشكيل قوة استطلاع و كنا مازلنا نعيد ترتيب أوراقنا و ننشئ تشكيلات جديدة من الصفر.

و أقلعت أول طلعة استطلاع فى أغسطس 1967 و استشهد فيها ملازم طيار حسنى جاد
الله و كان معه شريف الشافعى و تم تشكيل رف (مصطلح عن نوع من أنواع
الوحدات الجوية و يتكون عادة من عدد قليل من الطائرات) استطلاع فى أنشاص و
كان يتكون من 4 طائرات و 4 طيارين و انضممت إليهم فى أول أكتوبر 1967 و كان
معى سامح عطية و محمد السيد و شريف الشافعى و حسين عزت و التحقنا بدورة
تمييز أسلحة فى إدارة المخابرات الحربية.

فبدأنا نميز صور الدبابات و المدفعية بأنواعها، و حصلت على دورة أخرى فى
الاستطلاع البحري، و زملاء لى حصلوا على استطلاع خاص بوحدات الدفاع الجوي،
كل حسب اجتهاده الخاص.


و كانت تلك الفترة عصبية مشحونة جدا، فقد كانت فترة النهار تصل الى حوالى
اثنتى عشرة ساعة تقريبا، يقوم خلالها الطيار بالتواجد كحالة أولى (الطيار
مقيد فى أربطة كرسى الطائرة، و الطائرة مسلحة و على أول الممر لأى طوارئ) و
تصل فترة تواجد الطيار حالة أولى حوالى أربع ساعات يوميا فى المتوسط
بالإضافة إلى ثلاث ساعات طيران فعلى فى أعمال مظلات جوية و طلعات تدريب، و
فى بقية الوقت نكون حالة ثانية (على مسافة خمسين مترا من الطائرة) و يظل
لنا حوالى ساعة فى النهار تقريبا لنأكل أو لنستريح قليلا قبل بدء المحاضرات
المتخصصة فى الاستطلاع.


و فى نفس الوقت تم اقتطاع طائرات الميج 21 من الأسراب المقاتلة العاملة و
تم اقتطاع ايضا جميع الضباط و الفنيين و تم تزويدنا بكاميرات استطلاع،
الطريف أن تلك الكاميرات كانت موجودة قبل النكسة و لم تركب على أية طائرة
نهائيا، لأنه ببساطة لم يكن أحد من قادتنا كان يعرف خطورة و أهميه وجود قوة
استطلاع جوي.


كانت الكاميرا بعرض 25 سم, و كانت مركبة تحت الجناح و بارزة منه 40 أو 50 سم و كان اسمها ألافا و هى روسية.


و كانت مشكلة كبيرة جدا لنا، فهذه الكاميرات تجعل الطائرة ثقيلة و بطيئة و
استهلاكها عالياً فى الوقود، و أيضا كانت لتلك الكاميرات مشكلة أخرى ، فهى
لا تستطيع التصوير من الارتفاع المنخفض، و كان يلزمها طريقة معينة فى
التركيب و الضبط ، مما كان يعنى أننا يجب أن نطير على ارتفاع متوسط أو عال
للوصول إلى صور واضحة مما يعرضنا للاكتشاف من رادارات العدو، فبدأنا نعمل
على الاستطلاع بالنظر و تدريب أعيننا على الاستطلاع بالعين فقط و بدأنا
نخترق على ارتفاع منخفض و الاستطلاع بالنظر فقط و كتابة كل شىء تتم ملاحظته
بالعين.


و كنا نعمل بطرق بدائية جدا جدا لكنها كانت تعطى النتائج المرجوة، فلو
فرضنا أننى أقوم بالاختراق من فوق فايد، فاضبط ساعتى و بسرعة 1000 كيلو متر
فى الساعة يعنى أننى أقطع 18 كيلو فى الدقيقة و لو شاهدت 4 دبابات بعد 40
ثانية يعنى على بعد 9 كيلو مترات شرق فايد

كنا إما أننا نحمل كاميرات و نصور على ارتفاع عال، و إما استطلاع على
ارتفاع منخفض و محمل صواريخ و نستطلع بالنظر و كانت يرافقنا عاده طائرات
حماية مباشرة مرافقه لنا بقيادة الله يرحمه عصام صادق.

كانت أول طلعة استطلاع لى مع النقيب سامح عطية كانت 28 فبراير 68 و كانت
على الطريق الشمالى من القنطرة شرق حتى بالوظة و رمانة و استدرنا لليسار
تجاه البحر و دخلنا بورسعيد و نزلنا فى المنصورة و القاهرة.


(بعد هبوطنا أنا مكنتش قادر اتلم على رجلى, كنا طايرين على ارتفاع 4 كيلو و
سرعتنا الأقصى 1000 أو 1050 و الجاز عمال بيتحرق ورانا 4 طيارات «فينجر
فور» عصام صادق هوه الحماية ورانا ب 2 كيلو، و بعد ما نزلنا، جرى عليا, قعد
بيفتشنى, بيقولى فين الحجاب اللى معاك انت أكيد متحجب لعدم إصابتك بأى
صاروخ.


قلت له ليه؟ (قال الصواريخ عمالة طالعة يمين و شمال حواليك و مش عارفه تلبس فيك).

و عادة من بعد نزول الطيار من كابينة القيادة داخل الدشمة لا يفارق فيلم
التصوير، فهذا الفيلم يحمل ثمرة مجهودة و لابد من التأكد من جود الصور
لكيلا يضطر إلى إعادة طلعة التصوير بكل ما تحمله من مخاطر، لذلك نظل بجوار
فنى تحميض الصور حتى يبدأ فى إخراج الصور للوجود، و نبدأ فى قص ما حدث خلال
الطلعة و سرد ما لا يظهر فى الصور بالإضافة إلى أهمية ترتيب الصور طبقا
لمسار الطلعة.

و يتم بعدها تسليم الصور إلى فرع الاستطلاع لتحليلها بمعرفته، و بأفراد
متخصصين و أجهزة دقيقة لتحليل كل شئ فى الصور و كل ظل و كل ما يمكن أن يكون
له مدلول عسكرى معين، ثم يرسل فرع الاستطلاع تلك الصور مرفقة بتقرير
تحليلى مفصل لكل فرع من أفرع القوات المسلحة.


من أمثلة طلعات الاستطلاع التى قمت بها، عملية رصد أول بوادر إنشاء مطار
بالوظة الحربي، فقد كنا نستطلع المحور الشمالى و خاصة الطريق الشمالي، و
رصدنا بلدوزرات تمهد طريقاً معيناً، و بعد فترة عرفنا أنه هذا الطريق تمهيد
لإنشاء مطار، و بدأنا نتابع مراحل الإنشاء مرحلة مرحلة

و خلال حرب الاستنزاف قام شريف الشافعى بضرب المطار و دمر طائرة داكوتا به، بناء على تعليمات طلعة الاستطلاع

عادة كنا نمارس عملنا من مطار أنشاص فى الإقلاع، لكن يتم النزول فى أى مطار
آخر طبقا لخط السير، فكان من الممكن أن نقلع من انشاص و نهبط فى المنصورة
أو نهبط فى القطامية و ذلك طبقا لخطوط السير.

و بعد فترة تم نقلنا إلى مطار غرب القاهرة، فأصبحنا بذلك بعيدين عن الجبهة
قليلا، فكنا نتقدم لمطار متقدم و نقلع منه ثم نعود الى غرب القاهرة.

و كان شعور كافة القادة بما نقدمهم لهم من صور و معلومات هائلة، فقد كانوا
كالطفل المولود أعمى و فجأه يجئ لواء الاستطلاع ليقدم له شمعة تنير له
طريقا فينبهر بما يقدم له من معلومات و صور و هو بالفعل فى أمس الحاجة لها،
فبدأ القادة يرون العدو على الجانب الآخر من القناة، و يرون معسكراته و
استحكاماته و دفاعته، و ساعد ذلك فى التخطيط لعمليات خلف الخطوط و التى
قامت بها عناصر القوات الخاصة.


و كان تشكيل لواء الاستطلاع يشمل عدة أسراب، سرب ميج 21 و سرب سوخوى 7 و
سرب اليوشن 28، و رغم أن الميج 21 هى الأحسن سرعة و مناورة من الطرازين
الآخرين فإن الحاجة إلى كل الطائرات و الطيارين المقاتلين جعلت الاعتماد
على الميج 21 فقط دربا من دروب المستحيلات، فقد كان النقص الشديد فى
الطيارين عاملا حاسما لتخطيط أى عمليات سواء هجومية أو دفاعية و للقارئ أن
يتخيل أن قطاع قناة السويس فقط يحتاج الى 6 مظلات باستمرار لتغطية القطاع
بالكامل أى فى حدود 12 طياراً مقاتلاً، و إذا علمت أن زمن طيران الطائرة لا
يتعدى خمسة و عشرين دقيقة، مما يعنى أنه كل عشرين دقيقة تحتاج إلى 12
طياراً مقاتلاً آخر فى الجو، و كان الطبيعى أن يقوم الطيار ب 5 إلى 6 مظلات
فى اليوم. مما شكل حملاً و مجهوداً عالياً جداً على الطيارين.


فى هذا الوقت كان على طيار الاستطلاع التبليغ الدائم عن مكان تواجده لقائده
أولا بأول حتى لو كان محظوظا و حصل على إجازة و أراد الذهاب إلى السينما
مثلا، فلابد أن يعرف قائده أين هو الآن لكى يستطيع أن يستدعيه، و كان ذلك
عبئاً نفسياً إضافياً على طيار الاستطلاع، و كان من نتيجة هزيمة يونيو عدم
وجود استطلاع، إننا بعد النكسة بدأنا فى عمل استطلاع هستيري.


و أذكر أن شريف الشافعى مر على منزلى بتاكسى و أخذنى على المطار و أخبرنى أننا سنسافر إلى الأقصر فى الصباح.

و وصل المهندسون ليلا و جهزنا الطائرات و نمنا الساعة السادسة صباحا، و بعدها أقلعنا من المطار و طرنا الى الأقصر.
و ارتفعنا لارتفاع 8 كيلومترات و هبطنا فى الأقصر و جهزنا الطائرات، و أقلع
شريف بمفرده و صور مطار رأس نصرانى الذى يسمى الآن شرم الشيخ الدولى و عاد
إلى الأقصر مرة أخرى

و كانت نتائج التصوير عالية جدا و كانت الكاميرا آلافا 39 هى الكاميرا التى
استخدمناها فى ذلك اليوم, مع مرور الوقت أصبح عملنا روتينيا نوعا ما، فقد
أصبح لدينا واجب ثابت إلا و هو تصوير المواقع على القناة و المحاور الثلاثة
الرئيسية باستمرار، و لم أتعرض لأى اشتباك مع طائرات العدو، لأنه لم يكن
ممكنا لنا الاشتباك، و فى فترة ما استخدمتنا أسراب المقاتلات كطعم لجذب
طائرات العدو.


فكنا ندخل حتى القناة على ارتفاع 50 متراً و نبدأ فى التسلق على القناه حتى
نصل الى ارتفاع 3 أو 4 كيلومترات فوق القناة ثم نقوم بعمل دوران تجاه
اليمين أو اليسار و نصور بسرعة، فقد علمنا أن صواريخ الهوك الإسرائيلية قد
تطورت و أصابتنا بالرعب، فكنا ننفذ استطلاعاً سريعاً جداً، و وصلنا لمرحلة
أننا نصور الصاروخ و هو ينطلق من القاذف.

و لأن الهوك كان يتم تعديله بسرعة جدا فإن المخابرات كانت باستمرار تعرفنا
التعديلات، و كانت تعديلات كتيرة و كنت أعرف زمن اعادة الملء أو إعادة
البيانات، و كان لازما أن أطير على مستوى ثابت لعدد معين من الثوان ثم أغير
ارتفاعى أو سرعتى لكى أجبر كمبيوتر الهوك على إعادة حساباته من البداية و
قبلما يتوصل إلى الضرب علي، أعيد الكرة و أغير إما ارتفاعى و إما سرعتى مرة
أخري، و هكذا حتى لا يتمكن الهوك من الضرب علي، و نجحت تلك الطريقة بشكل
رائع و هم قاموا بعمل تعديلات وصلت للهوك لأنه يضرب طائرات على ارتفاع أقل
من 100 متر.

و كنا نستمر فى عمل الطلعات بصفة مستمرة و مثلا على الأقل طلعتى تصوير على القناة أو العمق أو المحور الشمالى أو الأوسط.

و قبل 1973 كان خط بارليف بالكامل قد تم تصويره بطول ال180 كيلومترا، لدرجة
أننى كنت عارف طبقات الاسطح كلها التى بنى منها خط بارليف سطحاً سطحاً
نظرا لطيرانى فوقهم و هم يمرون بكل مرحلة من مراحل البناء، فكنت أعلم أن
المرحلة الأولي، شكاير رمل و الثانى صاج معرج ، ثم المرحلة الثانية و
هكذا.. إلخ.
فقد كنت متابعهم باستمرار.. و الجندى اللى عبر القناة كان يعرف كل شئ، حتى مسار الخنادق و المدافع و السلك الشائك.

الميج 21 الاستطلاعية:


بعد فترة وصلت الينا طائرات ميج 21 استطلاعية و كانت تسمى MIG 21 RF و كانت
مجهزة بمستودع ثابت للتصوير و قد وصلت فى نهايه 1968 أو بداية 1969 و وصل
منها حوالى عشر طائرات، و كان ذلك دفعة جيدة لكفاءة لواء الاستطلاع ، و
خاصة أن هذا المستودع كان يصلح للتصوير على الارتفاع المنخفض بكفاءة.


لكن هذا المستودع لم يكن مرضيا لطموحاتنا أو لاحتياجاتنا لأنه حجمه كثير و
حجمه ثقيل بالإضافة إلى أن أقل ارتفاع كان 500 متر، و هو ارتفاع عال جدا
لنا، فلم نستخدمه إلا نادرا فمثلا الكاميرات الأمامية فى هذا المستودع
للتصوير أثناء الغطس لأسفل، و كان من الصعب جدا استخدامها لأنك تحتاج إلى
ارتفاع عال للقيام بالغطس و بينما كنا ننتهج دائما تكتيك الاستطلاع و
التصوير على ارتفاع منخفض جدا.


كانت الكاميرات السوفيتيه مخيبه للامال ، فكنا نعتمد عليها لكن بأساليب غير
معهوده فعليا ، فبعد مبادرة روجزر مثلا ، و وقف اطلاق النار عمليا ، كنا
نصور من فوق القناه نفسها مستخدمين الكاميرات الجانبيه و التي كانت تصور
مدي 500 متر من جانب الطائرة ، و هي مدي قصير لكنه كاف جدا لتصوير
استحكامات خط بارليف بالتفصيل ، و نظرا لان هذا الاسلوب لم يكن مرضيا
لطموحاتنا ، فجربنا كاميرات التصوير المركبه علي طائرات اليوشن 28


وكان البعد البؤري لها 120 سم و هو بعد جيد جدا ، و وضعناها داخل خزان وقود
احتياطي و غيرنا من تصميم الخزان بالكامل ، و صنعنا فتحتين في الخزان لكي
يتم التصوير منها ، و كانت تسمح لنا بالتصوير من ارتفاع عشرة كيلو مترات و
كانت الصور مقبوله

لكن الصعوبه الحقيقه كانت في الطيار نفسه، فعلي ارتفاع عشرة كيلو متر كان
علي الطيار اتقان المسار و المسافه الجانبيه لكي تحافظ علي اتجاه التصوير و
كانت هذه عمليه شافه احتاجت الي تدريب رهيب

و ايضا قمنا بشراء كاميرات انجليزيه ساعدتنا في حل مشكله التصوير المائل و
التصوير في العمق ، و كانت معظم هذه الكاميرات تقرأ علي مسافه 30 كيلو متر
من خط الطيران لان لها بعد بؤري جيد جدا

التطوير التانى كان كاميرات انجليزيه اسمها فنتن ،كان شرائها في حد ذاته
تجربه مخابراتيه مثيرة و كانت ذات بعد بؤرى 10 سم و هو شئ لا يذكر ، و كنا
لا نريد لها ان تكون واضحه تحت بدن الطائرة ، فبدأ المهندسين في وضعها داخل
بدن الطائرة لكي لا تكون ظاهرة ، و كان داخل الطائره رادار بدائي غير
مستخدم و لاننا كنا نعتمد علي النظر في كل عمليات القتال و علي التوجيه
الارضي فقمنا بالاستغناء عن هذا الرادار و تركيب تلك الكاميرات ، و كان
مجهود جبار ما قام به المهندسين ، فقد تم الغاء اسلاك و لمبات و محولات و
وضع اجزاء اخري مكانها لهدف اخر ، و عدادات جديده داخل الكابينه محل عدادات
اخري ، و هو مجهود جبار من رجال المهندسين و الذين برعوا في هذا العمل ،
فقد تم لاول مرة ادماج تكنولوجيا غربيه داخل طائرة سوفيتيه في وقت الحرب
البارده بعقول مصريه صرفه

و الكاميرا الفنتن الجديده كانت عبارة عن تحفه فنيه ، فقد كانت الكاميرات
الاربع تغطي 25 مرة مقدار ارتفاعك فلو كنت تطير علي ارتفاع مائه متر فان
الكاميرات تغطي مساحه 2500 متر بالكاميرات الاربع

و علي هذا أصبحت الميج 21 تطير بصاروخين و 3 خزانات وقود ... و الكاميرا
موجودة و هو ما لم يكن موجودا من قبل ، ففي البدايه لم يكن لدينا الصواريخ
للدفاع عن انفسنا حيث تحتل الكاميرات السوفيتيه نقاط تحميل الصواريخ ، فكان
لدينا فقط المدفع ، اما بعد الكاميرا الانجليزيه الجديده و التعديلات
المصريه الصرفه ، اصبح لدينا 5 حوامل علي الطائرة لكي نضع عليها ما نشاء من
حموله ، حيث ان الكاميرا لم تعد تشكل مشكله لنقاط التحميل الخارجي

كان رف الميج 21 الاستطلاعي هو الافضل ضمن تشكيلات الاستطلاع الاخري ،
فالميج 21 لا مجال لمقارنتها مع القاذقه البطيئه من نوع اليوشن 28 و التي
خصص رف منها لاعمال الاستطلاع البحري ، او السوخوي 7 فسرعه الميج 21 و قدرة
مناورتها كانت اعلي من قدرة السوخوي 7 و التي قام طياروها رغم ذلك بمجهود
كبير جدا و قدموا صور جيده جدا ، لكن ظل الفارق في امكانيات الطائرات هي
المعيار في كفاءة الاستطلاع و نوع العمليات الموكله اليها


و مع توالي عمليات الاستطلاع خلال حرب الاستنزاف وصلنا الي درجه عاليه من
الثقه ، فقد اصبحنا نستطيع فعليا ان ندخل سيناء و نخرج مرة اخري بكل كفاءة
وثقه ، فلم يكن المطلوب منا ان نقوم بعمليات انتحاريه لكن دورنا ان نعود و
نسلم افلام الاستطلاع للقياده ، فدرسنا جغرافيا المنطقه و درسنا من اين
ندخل و من اين نخرج و ما هو الارتفاع الافضل لنا في كل حاله ، و ما المطار
الافضل لنا للاقلاع لتنفيذ المهمه بناء علي خطوط السير و استهلاك الوقود، و
نتيجه ذلك فلا اعتقد انه كانت لنا مهمات استطلاع فاشله ، لكننا في بعض
الاوقات كنا نقطع خط السير و نعود نتيجه رصد مظلات جويه معاديه


و كنا نتابع بصورة شبه يوميه اعمال العدو في بناء ثم في تطوير النقاط
الحصينه ، و كنا نصور تحركات العدو البريه بالقرب من القناه و نصور تطور و
تحركات وحدات الدفاع الجوي و خاصه بطاريات الهوك

و لا اظن انني واجهت موقفا صعبا خلال عمليات الاستطلاع ، فكان من المعتاد
ان يضرب علينا صواريخ هوك او نيران مدفعيه مضاده للطائرات ، و اذكر ان بعض
الطلقات اصابت جناحي في مناسبات عديده ، لكننا تعودنا علي ذلك

و لتبسيط مهمه الاستطلاع علي القارئ ، فلنفرض اننا ننوي استطلاع المحور
الاوسط و هو المحور المقابل لمدينه الاسماعيليه ، فكان الاسهل لنا مثلا ان
نطير من فوق كبريت حيث ان اتجاه القناه يميل تجاه سيناء مما يجعلني اكسب
مسافه من الارض و في نفس الوقت اكون داخل الاراضي الصديقه و اقلل من وقت
طيراني فوق الاراضي المعاديه

و ايضا كان يجب دراسه دفاعات العدو فوق الهدف المراد تصويرة
و كان المحور الشمالي و الذي يضم رمانه و بالوظه امتع المحاور من حيث
الجغرافيا ، حيث وجود البحر المتوسط علي يسارنا و نحن نتجه للهدف يكون عامل
مساعد لنا في الخروج من فوقه و العوده بعد الانتهاء من المهمه ، و يماثله
في ذلك المحور الجنوبي حيث تشكل الجبال و اتجاه القناه عوامل مساعده للطيار
في تجنب الرصد الفوري له

و كان لدينا في السرب خبراء سوفيت و كانوا عوامل استنزاف لنا و ليست عوامل
مساعده او دعم للاسف ، فالمفروض ان الخبراء المرابطين معنا يقومون بتعليمنا
، لكنهم كانوا ابعد ما يكون من مستوانا ، للحقيقه فأن اول طيار سوفيتي حضر
الينا و لا اتذكر اسمه ، كان جيدا جدا جدا ، لكن من لحقوا به كانوا غير
مفيدين بالمرة ، فمنهم الخائف من اساليبنا الجريئه ، و منهم من يريد
الالتزام بما يقوله الكتاب و لا يرغب في التطوير و الابتكار ، و اخر لا
يتحرك الا بتعلميات سياسيه ، فكان وجود هؤلاء الخبراء عبء علي السرب و ليس
عامل مساعد ، حتي عمليات تطوير الطائرة كانت سريه عنهم ، و لم يعلموا بها
الا بعد انتهائنا منها ، فقد كنا نخاف ان يقوموا ببث روح الاحباط فينا ، و
كانت الحماسه و روح الابتكار و الابداع تملئ كل واحد فينا للوصول الي ما
نريده من صور واضحه .


و الظريف ان السوفيت بعدما علموا باعمال تطويرنا للميج قاموا بعمل طائرة في
مصانعهم و مزوده بكاميرات فنتن الانجليزيه و ارسالها لنا كهديه.

لقد عاني لواء الاستطلاع بأرففه الثلاث (الميج و السوخوي و الليوشن ) من خسائر خلال عمليات استطلاع حرب الاستنزاف
و نظرا لاننا كنا نستخدم الطيران المنخفض في الاستطلاع فكنا بذلك عرضه
لانواع متعدده من الاسلحه الصغيرة ، فكان عاديا ان تنطلق الطلقات حولنا في
كل اتجاه خاصه في الاهداف ذات الاهميه الكبيرة و كل طيار و قدرة ، فمن
المحتمل ان يضرب علي الطائرة الف طلقه و لا تصيبها او تصيب اماكن غير مهمه
او حساسه ، و من الممكن ان يضرب عليها عشر طلقات في مقتل فتنفجر الطائرة او
تهوي محترقه بطيارها .

و كانت عمليات الاستطلاع العميق هي العمليات التي يكون لها صدي داخل القوات
الجويه او عمليات الاستطلاع التي تحدث فيها اشتباكات جويه ، و كانت عمليات
الاستطلاع العميق ذات اثر جيد علي معنويات لواء الاستطلاع بأكمله مثل
عمليات استطلاع شرم الشيخ و مطار رأس نصراني و كذلك استطلاع بحيره البردويل
علي عمق ستين كيلو من قناه السويس

و في حرب اكتوبر استطلعت مركز قيادة الطايه , يوم 16 اكتوبر تقريبا .
كان لازم كل اسبوع او شهر تصوير المحاور كلها و النقط القوية و اى عمليه تبديل للقوات او موقع هوك او تحركات

و بعد مبادرة روجرز ووقف اطلاق النار ، هدأت الامور بالنسبه لنا قليلا لكن
عمليات الاستطلاع كانت مستمرة من فوق القناه فقط لكننا كنا نخترق فوق سيناء
لو دعت الضرورة فقط مثلا مطار جديد و تم رصده و يجب ان نصوره و نحدد, هل
مطار حقيقى أم هيكي ،و كنا نعرف من الصور اذا كان المواقع هيكليه .


حرب اكتـــوبر:


استعدادنا لحرب اكتوبر بدأ مع حرب الاستنزاف ، فتعديل الطائرات و فرق
التدريب علي تمييز اهداف العدو و زياده جرعه التدريب علي الطيران بسرعات
عاليه على ارتفاع منخفض لان هذه الارتفاعات لا يمكن للطيار ان يكون في قمه
تركيزة الفعلي لفترة طويله و كانت منطقه الدلتا كلها مفتوحه لاغراض تدريبنا
و نقلع و نصور رادارات , او مواقع صواريخ خاصه بنا .


يوم 6 كنا في رمضان و كنا صايمين في انشاص , و حالات الاستعدات رفعت من مده و استدعاء احتياط و تسريحه ....الخ

و القاده يقولون ان درجات الاستعداد هتنخفض غدا او بعده ....
اما زملاءنا القدام فيقولون ان هذا الذي يحدث ليس لاغراض المشروعات
التدريبيه ، الاوضاع غريبه مع الغاء الاجازات و الالتزام الفائق من الجميع و
قائد اللواء الجوي في غرفه العمليات طوال الوقت و هي موضوعات عندما يتم
جمعها مع بعضها البعض تعني الحرب الفعليه

قبل الحرب بيوم جاءنا قائد اللواء - سيد كامل و كنت وقتها رائد طيار و قال لنا ( افطروا )

قلت له ( لو فيه عمليات حقيقى سأفطر و لو لم يكن هناك عمليات لن افطر)
يوم 6 اقلعت بطلعه الساعه 10 او 11 الصبح , كانت طلعه روتينيه لكي يظهر ان
كل شئ عادى ، فقمت بالطيران بخط سير معتاد و كانها طلعه متعودين عليها
كان دورنا في الحرب كالمعتاد متابعة الاهداف و تصويرها و كنا هنستطلع نتيجة الضربه مثل المليز و مراكز القياده
و كان مخطط اننا نقلع بعد الضربه الاولى و مع الثانيه و الجميع عاد و قالوا
انهم نفذو ضرب الممرات و كان استطلاعنا بالنظر و لم يكن هناك تصوير لان
نتيجة الضربه الجوية لم تكن مطلوبه فالضربه الجوية لها اهداف محدده و تخطيط
محدد

فرحة الدنيا احسسنا بها و انا واحد من الطيارين كنت واقفا على الممر ،كنت
احصي الطائرات و هي تقلع متجهه نحو سيناء لبدء دورها في الحرب و كنت
منتظرها علي الممر هي عائده من الضربه الاولي و الحمد لله فقد رجعوا كلهم و
بدون خسائر ، و تقابلنا ليلا في الميس و كانت المعنويات في السماء .


و مر يوم 7 و يوم 8 بدون طلعات لي ، لكن عمليات الاستطلاع لم تتوقف لحظه ، و
اقلعت يوم 9 اكتوبر و استطلعت منطقه بلاعيم في خليج السويس لانه المفروض
انها تضرب و تم تصويرها فأقلعت من انشاص و استطلعت مناطق ابار البترول و
فور هبوطي تم اخذ الافلام من داخل الطائرة سريعا ، و كان واضحا ان تلك
الطلعه و تلك الصور كانت مهمه جدا .

و اقلعت في طلعه استطلاع اخري في يوم اخر ، فأستطلعت من الاسماعيليه و حتي الطاسه علي المحور الاوسط
و عندما حدثت الثغرة كنا نستطلع قوات العدو بالميل لانهم كانوا قد اصطحبوا
معهم وحدات دفاع جوي كثيرة داخل الثغرة و كانت تسبب لنا مشاكل كثيرة ، و
عندما بدأ الاستعداد لتصفيه الثغرة انتقلنا لمطار شبراخيت و مكثنا هنالك
شهرين ثم عدنا مرة اخري الي انشاص
و بعد الحرب كنا نقوم بالاستطلاع المائل او استطلاع الكتروني جديد ، فقد
زودنا السوفيت بمستودع جديد للاستطلاع الالكتروني و كان يلتقط ترددات
الرادار

بعد الحرب بفترة شغلت منصب قائد لواء الاستطلاع وقتها حدثت الاشتباكات
المصريه الليبيه و كان لدي سرب متمركز في مرسي مطروح و كنت دائم زيارتهم
هناك لاطمئنان علي احاولهم و تابعت عمليات الطيارين في اثناء الاشتباكات
القصيرة مع ليبيا و قام الرجال بعمليات استطلاع دائمه للحدود , و بعدها
سافرت بعثه فرنسا في كليه حرب عليا لمده سنه و نصف سنه 82 و 83 و كان لدينا
4 طيرات ميراج-5 استطلاع , و ده التغيير الجوهري الذي حدث بعد الحرب فقد
خرجت السوخوي من خدمه لواء الاستطلاع و دخلت الميراح و كانت افضل من الميج
21 بمراحل .


و قد طرت علي عده انواع من الطائرات من وقت تخرجي من الكليه الجويه و حتي
تقاعدي سنه 1986 فقد طرت علي السوخوى -7 و الميج-17 و الميج-15 , و
الميراج-5 اخر شئ وقت كنت قائد لواء الاستطلاع و كان عندى سربين ميج-21 و
سوخوى فكان لابد ان اطير النوعين و كانت السوخوي 7 اقل من ال21 , و بعدها
عندما تم الغاء السوخوى انضمت الميراج فقمت بالطيران علي الميراج و بعدها
سافرت بعثة فرنسا , و عندما عدت ، فقد عدت الي وحده تدريب المقاتلات اللواء
112 و كان لدي 3 اسراب ميج-21 MF و ميج-21 صينى ( j7) و سرب ميج-19 صيني
(J5), و كان لابد و ان اطير الميج 19 فقمت بالطيران بها و بالنسخه الصيني .

و بعد وحدة تدريب المقاتلات سافرت كملحق عسكري و بعدها رئيسا لفرع الاستطلاع و بعدها قائدا للمنطقه الغربيه حتي تقاعدت

هذه صورة لأحد رجال الجيش المصرى الذين قدموا الكثير ولم يسمع بهم احد

فقط حفنة من الرجال نالوا اعظم الاوسمة وظلوا عقود يتغنوا بأنجازات فعلها غيرهم
وكأن 6 سنوات عملوا هم فيها فقط وحاربوا بمفردهم وباقى الجيش وتضحيات الشعب كأنها لم تكن
وكانهم لابد ان يستعبدوا شعب مصر ويسرقوا ثرواته فقط لانهم جلبوا لهم نصرا يستذلوهم به ابد الدهر