الملوانى
ااهلا بك زائرنا الكريم نتمنى ان تقضى وقت طيب معنا اسره منتدى الملوانى
الملوانى
ااهلا بك زائرنا الكريم نتمنى ان تقضى وقت طيب معنا اسره منتدى الملوانى
الملوانى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

افلام برامج العاب صور جميلات العرب واحدث الاغانى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رجب عبد المعطي...الجاسوس المنتحر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الملوانى
مدير المنتدى
الملوانى


ذكر عدد المساهمات : 515
تاريخ التسجيل : 07/04/2011

رجب عبد المعطي...الجاسوس المنتحر Empty
مُساهمةموضوع: رجب عبد المعطي...الجاسوس المنتحر   رجب عبد المعطي...الجاسوس المنتحر I_icon_minitimeالسبت مايو 05, 2012 4:56 am


في الأول من أكتوبر 1937 .. امتلأ منزل الحاج عبد المعطي بلفيف من الأهل والأصدقاءجاءوا يباركون مقدم مولوده الأول "رجب"، ولأن الحاج عبد المعطي تاجر مشهورفي حي القباري بالاسكندرية فقد انهالت عليه الهدايا من حيث لا يدري فالمولود جاء بعد انتظار طويل مليء بالقلق والصبر والترقب،وتجارب لا حصرلها مع الأطباء والأدوية. وفي شهر رجب – جاء رجب.

وبعد عدة أشهر حمل الرجل وزوجته أمتعتهما وحطا الرحال بأطهر أرض ورفعا أيديهما عند الكعبة يطلبان من الخالق جل شأنه أن يبارك لهما في رجب ويشكرانه على "عطيته". وشب الوحيد نبتاً طرياً يأكل بملعقة من ذهب كمايقولون. . فقد وفر له أبوه كل أسباب الرغد، وجعل منه شاباً خنوعاً مدلل اًكان مدعاة لأن يخفق إخفاقاً ذريعاًفي الحصول على الثانوية العامة .. وبعد عدة محاولات أثمرت جميعها عن خيبة أمل للأبا غتر الابن وأوهم نفسه بأن لهم ن العقل ما لم يملكه غيره. . ويستطيع – بدون شهاداتأن يصبح رجل أعمال مشهوراً ينافس عمالقة السوق والميناء . . ووسوس له الشيطان أنه فقط بحاجةالى فرصة يثبت من خلالها أنه عبقري زمانه الملهم.

حاول الحاج عبدالمعطي إفاقة ابنه من سكرة الغرور وإعادته الى طريق الصواب ففشل. إذ سيطرت على رجب عبقرية كاذبة نشأت من فراغ العقل والثقافة. وصاريحلم ليل نهار بشركة رجب للخدمات البحرية.

ولما امتنع والده عن إمداده بالمال اللازم حتى يتحصن بالخبرة ..اضطر يوافق رجب على العمل في وظيفة كاتب حسابات بميناء الاسكندرية . . إرضاءلوالده. واستغرق في عمله الجديد حتى توسعت مداركه واستوعب الكثير من الخبرةبعدالاحتكاك الفعلي في الحياة.

وبعد ثلاث سنوات من العمل في الميناء .. لم ينس حلمه الكبير ففاتح أباه . . وهذه المرة كان عنده إصرار عنيد على ألا يرجع. فلماعارضه والده بشدةغادر المنزل غاضباً.. وتحت ضغوط الأهل والأصدقاء.. رضخ الأب أخيراً أمام رغبة ابنه وأمده بعدة آلاف من الجنيهات وهو على ثقة من فشله وخسارته. وغمره للمرة المليون إحساس بندم شديد لأنه دلل ابنه وفتح له منذ الصغرخزينة أموالهب سحب منها كيفما يشاء. .وتمنى بينه وبين نفسه لو أن الزمن عاد به الى الوراء فيقوم على تربيته بالشكل الصحيح .. وينشئه فتى معتمداًعلى ذاته فيشب رجلاً يعرف قيمةالعلم والقرش .. ويدرك جيداً أن للحياة ألف وجه ووجهاً.. ولكن . .فات الأوان وحسم الأمر . . !!

من ناحية أخرى كان رجب يدرك ما يدور بعقل والده، وأراد أن يؤكدله كذب ظنه واعتقاده.. فتوسع في أعماله دون خبرة كافية بمنحنيات السوق وتقلباته. وكانت النتيجة المؤكدة خسارة جسيمة مُني بها وفشلاً ما بعده فشل .. وديون اًتزاحمت بأرقامها دفاتره.

وجاءت نكسة يونيو 1967 وتعم حالة كساد ازدادت معها الأمورسوءاً، وحاول رجب باستماتة أن يقاوم التيار القوي فخارت قواه وغرق في ديونه. . وقام بتصفية الشركة وحزم حقائبه ووجد نفسه على ظهر مركب يشق مياه البحر الى ميناء "بيريه" في اليونان.

نزل ببنسيون "بروتاجوراس" وحاول جاهداً أن يعثر على عمل لكنه باء بالإخفاق .. فلجأ الى بحار يوناني يدعى "زاكوس" ربطتهما معاً إحدىسهرات الاسكندرية.. وكذب عليه مدعياً أنه ينجز إحدى صفقاته التجارية واستولى منه على خمسمائة دراخمة وهرب الى "أثينا" العاصمة حيث ضاقت به المدينةالساحليةالساحرة. ووجد في أثينا أن الحياة بها أكثر ضجيجاً وحركة.

وفي بنسيون "زفيروس" جلس يفكر فيما وصل اليه من حال سيئة: لقد مر به شهر تقريباً ولم يعثر على عمل بعد. إنه الآن عاطل ينفق ليعيش. . وعما قريبستنفذ دراخماته فماذا سيعمل؟ هل ضاقت به الحياة أيضاً في أثينا؟

مئات من المصريين جاءوا الى اليونان يعملون في أي شيء وكل شيء.. لكنه يبحث عن عمل من نوع آخر يتناسيب وعبقريته. وكثيراً ما حدث نفسه قائلاً "لا أحد يفهمني في هذا العالم". . لقد صور له خياله أنه مضطهد .. ومعظم عباقرةالعالم اضطهدوا أيضاً قبله وها هو يواجه قوى الاضطهاد التي تطارده أينما حلوعليه بالصبر حتى يكتب له النجاح.

وبينما هو يتجول في شارع "سوفوكليس" التقى بشاب مصري من برديس جنوب يسوهاج يعمل في مصنع للعصائر .. عرض عليه أن يعمل معه في قسم التغليف لكنه أبى بشدة أن يعمل بوظيفة تافهة كهذه.. واستعرض له سيرةحياته السابقة في مصر. . فما كان من الشاب الصعيدي الى أن نصحه بالعودة الى الاسكندرية لكيلا يقع فريسة سهلة في قبضة المخابرات الاسرائيلية. . التي تتصيدالشباب المصري العاطل في اليونان وتغريه بالعمل معها مقابل مبالغ كبيرة. وسخر رجب في داخله من نصيحة الشاب له بالعودة. . فقد كان والده يعاني الأمرين من حجم الديون التي خلفها له ومن مطاردة الدائنين في المتجر كل يوم.

×××××××××××××××××××××××



تزاحمت الأفكارفي رأسه وغمرته إحساسات اليأس من صلاح أمره في أثينا .. والخوف من العودة يجر أذيالالخيبة والفشل .. وداهمه شعور بالضآلة وقال لنفسه "لن أيأس .. لن أستسلم أبداً مهماحدث".

أيقظته دقات الباب من أفكاره. وكان الطارق موظف حسابات البنسيون. فطلب منه إمهاله عدة أيام .. وما كانت جيوبه تحوي سوى دراخمات قليلة لا تكفي لأسبوع واحد إلا بالكاد.

هرب منه النوم واختنق صدره واهتزت أمامه الرؤى وعندما تذكرمقولة الشاب الصعيدي "المخابرات الإسرائيلية تدفع الكثير" قال لنفسه "لن أخسر أكثرمماخسرت" وأمسك بالقلم ليكتب:

السيد المبجل / سفير دولة إسرائيل في أثينا

أنا موظف مصري أقيم في بنسيون زفيروس. ضاقت بي الدنيا وظلمتني في الاسكندرية وفي أثينا. قال لي البعض إنكم تمدون يد المساعدة لكل من يلجأ إليكم وأنتم الملجأ الأخير لي. فأرجو أن أنال عطفكم واهتمامكم.

رجب عبد المعطي أثينا 27/12/1967

ولم تكد تمر ثلاثة أيام – حتى فوجئ بمندوب من السفارةالإسرائيلية ينتظره في صالة الاستقبال .. فاصطحبه الى السفارة وهناك قابلوه بود وقالوا له:
وصلتنا رسالتك ولم نفهم منها ماذا تريد بالضبط؟

أجاب بصوتي غلفه الرجاء:
أريد أن أعمل في أثينا.

سلمهم جواز سفره وتركوه ثلاث ساعات بمفرده .. ثم جاءوا له باستمارة من عدةصفحات . . تحمل اسم السفارة وشعاردولة إسرائيل .. وطلبوا منه أن يملأهاويكتب سيرة حياته وأسماء أصدقائه وأقاربهووظائفهم.

وبعدما تبين لهم أنه أمضى ثلاث سنوات في العمل داخل ميناءالاسكندرية. . طلبوا منه أن يكتب تقريراً مفصلاً عن الميناء وأهميته الاقتصاديةوالعسكرية ففعل. واستعرض ما لديه من مظاهر "العبقرية" الفذة في شرح كل شيءعنالميناء بتفصيل مطول. . فأذهلتهم المعلومات التي كتبها عن الميناء . . وأدرك ضابطالموساد الذي شرع في استجوابه بأنه وقع على كنز ثمين عليه أنيعمل على استثمارهو"حلْب" ما لديه من معلومات.

وفي الحال سددوا حسابات البنسيون كافة ونقلوهالى فندق "أورفيوس". . وهوابن ربة الفن الإغريقية .. وأعطوه مائتي دولار أمريكيوتركوه عدة أيام يمرنهاره وهو يغط في سبات عميق . . وفي الليل يتذوق طعم السهر في حانات وكباريهات أثينا المتحررة . . ويصاحب أجمل فتياتها وداعراتها في شارع "ارستيديس" الشهير. وعندما نفدت نقوده تماماً ود لو عاد إليه مندوب السفارةالإسرائيلية ببعض المال ليكمل مسيرة اللهو والسكر.

وحدث ما توقعه وجاءه المندوب بمائتي دولار أخرى. . فاستغرق في مجونه وتمنى لو استطاع أن يفعل أي شيء في سبيل أن يحيا حياة مرفهة في أثينا. أغرقته المخابرات الاسرائيلية بالمال حتى اطمأن الى رجالها.. وكلما نفدت نقوده ذهب بنفسه لمقابلة أبو ابراهيم في السفارةالاسرائيلية يعرض عليه خدمات مقابل الدولارات التي يأخذها. فيؤجل ضابط الموسادالحديث في هذا الأمرلوقت آخر . . وينصرف رجب بالنقود فيرتع بين الحسان عاريات الظهر والنهود هو بينهن يختال اختيالاً.

إن المال والنساء أهم أسلحة أجهزةالمخابرات. بل هما الأساس الذي تبني عليه عملية صنع جاسوس أو اصطياد عميل. وأجهزةالمخابرات ليست بالسذاجةا لتي تجعلها تنفق الملايين لاصطياد ضعاف النفوس والخونةا لذين يسهل شراؤهم بالمال والفساد. . ولذلك أقامت فروعاً لها ومكاتب في الخارج تحمل أسماء شركات وهمية لا نشاط حقيقي لها سوى البحث عن الخونة. ويعمل بهذه الفروع ضباط مخابرات على أعلى مستوى من الخبرة والكفاءة. . وتخول لهم سلطات واسعة .. وتحت أيديهم مئات الآلاف من الدولارات. . وطابور طويل من السكرتارية والمساعدين الأكفاء . . بخلاف أجمل الفتيات اللاتي اخترن الطريق الصع بوخطون خطوات طويلة من الخبرةوالحنكة. فهن يعرفن عملهن جيداً ويبدعن فيه وطريقهن الى الإبداع يبدأ وينتهي بالجسد. إنه السلاح السحري الذي يقتل مقاومة الهدف. . ويحرك فيه غريزته المجنونةالتي تحيله الى إنسان بلا عقل أو إرادة.

والمخابرات الإسرائيليةالموساد – تفوقت كثيراً في هذه الأمور. . وأصبحت أكثر أجهزة المخابرات خبرة في استخدام لغة الجسد. . تلك اللغة التي يفهمها الجميع ولا تحتاج الى مترجم أو قواميس تفسر مفرداتها.. ولكن الذي لا يعرفه أحد. . أن الخونة الذين يسقطون في براثن الموساد .. يتحولون في لحظة ما الى مجرد بهائم تدور في الساقية . . تطاردهم سياط الأوامروالطلبات التي لا تنتهي أبداً.. وأنها تقدر ما تدفع تريد المقابل أضعاف مادفعته. وعندما يجف معين عميلها تنبذه كالكلب الأجرب وتلقي به في زوايا الذل والنسيان. . وتعامله كخائن باع وطنه وأهله ولا قيمة لإنسان فقدانتماءه، وسلك كل المسالك نحو المال واللذة

××××××××××××××××××



لم يدرك رجب عبد المعطي هذه الحقائق بل اندفع بكل ثقله باتجاه المخابرات الاسرائيلية . . وصادقا لكثير من ضباطها في أثينا ظناً منه أنهم سينقذونه من شبح الإفلاس الذي تعلق بتلابيبه ولا يود مفارقته. ورحب كثيراً بضابط الموساد – ابوابراهيم – الذي فوجئ به يزوره في حجرته بالفندق الفخم . . ويحدثه طويلاًعن أزمة الشرق الأوسط والوضع المتفجر في المنطقة بسبب الحروب مع العرب . . وحقهم في أن يعيشوا فوق أرض الميعاد في سلام وأمان . . وأنهم ليسوا شعباً يحب سفك الدماء بل أمة مشردة ضعيفة تسعى الى العيش في هدوء بلا حروب أوصراعات.

واستعرض ابو ابراهيم في سرد اساطيروأحاجي اللص الذي يبرر مشروعية سرقاته ثم سأل رجب فجأة:
هل ترحب بالعمل معنا لصالح السلام؟

والابتسامة تملأ وجهه ..
بالطبع . . ولكن .. أي عمل بالتحديد؟

أخرج ضابط الموساد الخبير أربع ورقات ذات المائة دولار ودسها فييد رجب وهو يقول:
- أنت كثير الأسئلة . . هل تعتقد أننا نريدك سفيراً لنا في مصر؟

- إذن .. ما هو المطلوب مني؟

-
ألا تسأل كثيراً لكي لا أغضب منك .. عليك فقط أن تعرف أننا أصدقاء .. وأن لكل حديث أوان.

هز رجب رأسه علامة على الرضوخ والطاعة ولحقه ابو ابراهيم بسؤال ذا مغزى:
- هل لك صديقة في أثينا؟

أجابه على استحياء:
- هجرتني فتاة تدعى انكسيميندرا لأنني لا أعرف اللغة اليونانية وقدضاقت بإنجيلزيتي الركيكة.

- أوه . . أتقصد تلك الفتاة التي يملأ النمش وجهها؟دعك منها وسوف أعرفك بفتاة رائعة تتحدث بالعربية وستكون معك ليل نهار فيأثينا.

تهلل وجهه وارتفع حاجباه دهشة وقال:
أين هي؟ أريدها حالاً. .

- ستكون الى جوارك في الطائرة أثناء رجوعك من تل أبيب.

بهت رجب ووقف فجأة كالملسوع وقال بصوت متلعثم:
تل أبيب؟

- نعم . . !!

بسرع ةقالها ضابط الموساد بلغة الواثق، وأضاف كأنه يأمره بتنفيذ قراره الذي لا رجعة فيه:
ستسافر إسرائيل بعد عدة أيام .. وفي الغد عليك أن تحضر اجتماعاً مهماً في السفارة لمناقشة خطوات تنفيذ هذا الأمر فهل عندك اعتراض؟

هربت الكلمات وغاصت في قرار عميق . . وأجاب رجب الذي بدا كالأبله لا يضبط خلجاته:
لا . . لا . . أنا لا أعترض . . إنها مفاجأة لي.

- عندما كتبنا تقريراً عنك وأرسلناه الى إسرائيل. . طلبوا منا أن نأخذك في رحلة سريعة الى هناك ليتعرفوا عليك أولاً. وثانياً هناك مفاجأة سارةتنتظرك. وثالثاً: لتختار صديقتك بنفسك من بين أجمل فتياتنا وتصحبها معك الى أثينا.

سكت رجب ولاحقه أبو ابراهيم:
المخابرات الاسرائيلية إذا أعطت فهي سخية بلا حدود. وإذا غضبت ومنعت فطوفان من الهلاك قادم. وثق يا رجب أننا ودودون معك الى أقصى درجة .. أعطيناك أكثر من ألف وخمسمائة دولارحتى الآن ولم نطلب منك أدنى شيء. ألايدل هذا على كرم منا أيها المكار؟

وربت كتف رجب الغارق في ذهوله وهو يقول في لغة ظاهرها الثقة وباطنها التهديد والبطش:
عليك ألا تضيع هذه الفرصة .. انتهزها. . واركب قارب النجاة تنج نفسك من الطوفان والهلاك.

وعندما قام ضابط الموساد منصرفاً لم يستغرق رجب في التفكير كثيراً. لقد ثبتت لديه النية واتخذ قراره. .ولم يذهب الى سريره لينام بل خرج ينزفدولاراتالموساد على الخمر وجسد داعرة صحبها الى شقتها وهو يمني نفسهبالجارية الاسرائيليةالتي ستكون تحت إمرته. وفي الصباح الباكر كان يقف أمام باب سفارة إسرائيل تعلوه سحابة انكسار وبعينيه بريق خنوع ديّوث باع لحمه لمزايد !!

استغرق الاجتماعبه نحو الساعة .. كانوا أربعة من ضباط الموساد في أثيناوخامساً جاء من فيينا كان يبدو أنه أكبرهم دراية بالتعامل مع الخونة وتطويع الجواسيس. طلب من رجب أن يرسم له خريطة الميناء في الاسكندرية وأين يقع مكتبه بالضبط؟!! وفوجئ رجب بماكيت مصغرللميناء دخل به موظفان ووضعاه على منضدة تتوسط الحجرة ..

أخذ رجب يشرح بتفصيل أكثر معلوماته عن الميناء. بل ويحدد أماكن مخازنالتشوين التجارية . . ورصيف الميناء الذي يستقبل السفن الحربية السوفيتية. . وسفن الشحن التي تجيء بالأسلحة المختلفة من ميناء أوديس السوفييتي على البحر الأسود . . ومخازن تشوين السلاح المؤقتة .. وبوابات التفتيش والمداخل والمخارج.

وهكذا استمر يشرح لهم أسرارالميناء الحيوي، ولم يتركوا أدق التفاصيل إلاوسألوه عنها ثم طلبوا منه الانصراف والعودة صباح اليوم التالي ومعه أربع صور فوتوغرافية وجواز سفره. وبعد أن سلمهم الصور تسلم منهم وثيقة سفرإسرائيلية ذكر بها أنه إسرائيلي من تل أبيب واسمه "دافيدماشول". . تسلم كذلك تذكرة سفر بالدرجة السياحية – أثينا تل أبيب على شركة العال الإسرائيلية – وأوصله مندوب من السفارة الى المطار وتأكد من صعوده الى الطائرةا لمتجهة الى إسرائيل.

وعندما جلس رجب في مقعده بالطائرة كان جسده يرتجف بشدة .. وتشوشت أفكاره للدرجة التي أصبح فيها كالمخمور الذي فقد تركيزه واتزانه . . وسرعان مااستعاد ثقته بنفسه وهو يرسم في خياله أحلام الثراء الذي ينتظره . . ووجه الفتاة المليحة التي سيختارها في إسرائيل . . وخطرت بباله فجأة فتاة من بورسعيداسمها مايسة كانت قد هاجرت مع أهلها الى المنصورة وتعرف عليها في إحدى الحفلات العائلية وأحبها بسرعة إيقاع عجيبة وافترقا أيضاً بلا وداع. لماذا خطرت بباله في تلك اللحظة بالذات؟ ضحك بصوت مسموع فرمقته سيدة تجلس بالقرب منه بنظرة تعجب وابتسمت .. وأغمض عينيه ثم نام.. واستيقظ والطائرةتحوم فوق مطار بن جوريون تنتظر الإذن بالهبوط

×××××××××××××××××××




وعلى سلم الطائرة صافحه ثلاثة رجال .. ثم أدخلوه
سيارة مسدلة الستائر كانت تنتظر أسفل جناح الطائرة .. سلكت به اتجاهاً
آخر بعيداً عن بوابة خروج الركاب والجوازات . . ووجد نفسه في شوارع تل
أبيب لا يصدق عينيه. .

وفي بيت يشبه الثكنة العسكرية على أطراف تل أبيب أدخلوه إحدى الشقق
المخصصة لأمثاله من الخونة .. حيث كانت تنتظرهم بها فتاة رشيقة صافحته
بحرارة .. ورحبت به بالعربية فسره ذلك كثيراً وقالوا له إن "زهرة" ستظل
على خدمته طوال إقامته في الشقة.

وتركوه ليستريح بضع ساعات وعادوا إليه ثانية فصحبهم لمبنى المخابرات
الاسرائيلية في شارع الملك شاؤل بوسط المدينة .. وكان في استقباله عدد
كبير من كبار رجال الموساد. ولعدة ساعات أخضع لتحقيق واستجواب تفصيلي لكل
ما كتبه عن ميناء الاسكندرية.

كان الاجتماع مغلقاً على الضباط المختصين والمحللين الذين أدركوا ميوله
للنزعة العسكرية .. وكان ذلك واضحاً جداً من خلال إجاباته الحاسمة .. التي
تشبه إجابة عسكرية مدعومة بلغة عسكرية بحتة .. وتغلفها تفاصيل
استراتيجية دقيقة لا ينتبه اليها الرجل المدني الذي لم يجند بالقوات
المسلحة.

وفي ختام الاجتماع أعد له حفل استقبال كبير في إحدى القاعات بالمبنى ..
حضره عدد أكبر من ضباط الموساد ورؤساء الأقسام . . وتم منح رجب عبد المعطي
رتبة "رائد" في المخابرات الاسرائيلية، ولم يضيعوا وقتهم كثيراً في مظاهر
الترحيب.. إذ أعدوه لدورة مكثفة بدأها أحد الضباط بمحاضرة طويلة عن
"ذراع إسرائيل الطويلة" .. وأنها تجعل العدو يرتجف رعباً، وتمنح
الإسرائيليين القدرة على النوم في هدوء. وأن الموساد نجحت في حل الكثير
من مشاكل الدولة اليهودية وهي على استعداد للقيام بمهام أخرى.

. . وإن عمليات الموساد ليست على درجة أقل أهمية .. بل هي أساس شهرتها.

وجاء ضابط آخر كانت مهمته تدريبية فنية تتعلق باستخدام الشفرة والاستقبال
بواسطة موجات خاصة بالراديو. . وبعد أيام أجاد رجب استقبال الرسائل
المشفرة وترجمتها بسرعة وكان عليه اجتياز دورة أخرى مهمة .. وجاءته هذه
المرة ضابطة شابة تتحدث العربية بطلاقة شرعت في تدريبه على كيفية استخدام
الحبر السري في الكتابة وقراءة الرسائل المرسلة إليه بالحبر السري أيضاً. .
وكذلك استعمال شفرة خاصة للمراسلة لا يكتشفها أحد.

استمرت برامج الدورة التدريبية المكثفة خمسة عشر يوماً كانت عصيبة ومرهقة.
وبعد أن اجتاز الاختبارات بنجاح مذهل . . رافقته زهرة الى منتجع خاص آمن
يقع على بحيرة طبرية. . وهناك أذاقته من لدائن أنوثتها ما حار فيه العقل
وأذهل الشعور. قالتها له صراحة إنها هدية له لاجتيازه الاختبارات
وتعاونه مع المخابرات الاسرائيلية بإخلاص. . بل وأكدت له أنها عبدة له
يفعل بها ما يشاء . . وعندما صارحها بأنه يستريح إليها ويود لو صاحبته
الى أثينا وعدته بأن تعرض طلبه على رؤسائها..

وفي تل أبيب أخبره الضابط المسؤول بأنه سيعود الى الاسكندرية مرة أخرى
ليعادو نشاطه السابق في شركة رجب للخدمات البحرية. وأنهم سوف يمدونه
بالأموال اللازمة لإحياء شركته وتجديدها. . ولكي يتم تنفيذ ذلك عليه أن
يمكث عدة أشهر في أثيناء .. ويشيع بين المصريين العائدين الى مصر بأنه اسس
أنشطة تجارية رابحة جداً في أثينا .. ويجب عليه أن يتأكد من وصول هذه
الأقاويل الى مصر والى أهله بالذات.

لقد تمكنوا خلال تلك المدة من تدريبه على كيفية إعداد التقارير وتلخيص
الجمل واختصار عدد الكلمات. هذه الدورة المكثفة زرعت بداخله إيماناً
حقيقياً واهماً بأنه صاحب رسالة مهمة أوكلت اليه. وبرغم أنهم بثوا لديه
الثقة في مناعة المخابرات الاسرائيلية ضد كشف عملائها في الدول العربية ..
واستماتها في استردادهم حال القبض عليهم ، إلا أنه أحس بالتعاطف معهم بعد
عدة محاضرات عن تاريخ اليهود . . واضطهادهم على مر الأحقاب والعصور . .
ومحاولات إبادتهم التي أسفرت عن تشريدهم ومقتل الملايين منهم . . وكانت
آخر المحاولات تلك التي قام بها أدولف هتلر الذي أقام معسكرات لتجميع
اليهود. . ثم حرقهم في محارق خاصة لاستئصال كل يهود أوروبا.. وهكذا حشوه
بأكاذيبهم المضللة لكسب عطفه.

وعندما عاد رجب الى أثينا برفقته زهرة .. كان بداخله إصرار غريب على
التعاون مع الموساد لحماية إسرائيل وأمن إسرائيل . . من التهديد العربي
الدائم والذي يدعو إليه جمال عبد الناصر . . وإصراره على إلقاء اليهود في
البحر ليتخلص منهم .. وترسب بداخله اعتقاد بأن عبد الناصر ما هو إلا هتلر
جديد جاء ليبيد اليهود الذين يدافعون عن أمنهم . . وحقهم في أن يعيشوا
في سلام.



غادر رجب مطار بن جوريون في تل أبيب في طريقه الى أثينا ترافقه "زهرة" ..
جميلة الجميلات والعبدة التي تحدثه بلغته وبلغة الجسد الناطقة.

لم تكن مهمتها إفراغ ثورات رجولته المشتعلة دائماً بقدر ما كانت رقيبة على
سلوكه وتصرفاته.. وتمتحن إخلاصه للمخابرات الاسرائيلية بين آن وآخر.
وكلما حاولت تصيد أخطائه وجدته أكثر منها إخلاصاً لليهودية .. وإيماناً
بحق الإسرائيليين في القدس وسائر أرض فلسطين.

إنها تواجدت بجواره لتدفعه بقوة الى عشقها والذوبان فيها. فكلما ازداد عشقاً لها. . أخلص لإسرائيل .. وتفانى في خدمتها.

استأجرت له المخابرات الاسرائيلية إحدى الشقق الصغيرة في حي دميتير
الهادئ. . وهيأت له من أسباب العيش والرخاء والإمتاع الكثير .. لتجعله
لصيقاً بهم يدور في فلكهم لا يستطيع فكاكاً. وعلموه كيف يتعامل مع
المصريين الوافدين الى اليونان للسياحة أو للبحث عن عمل. فالذين جاءوا
للسياحة خصص لهم بعض الوقت وصحبهم للمزارات السياحية والأسواق والمتاحف. .
وأفاض في خدماته اليهم وحملهم الهدايا الى أهله بالإسكندرية تأكيداً على
تيسر أحواله وظروفه المالية في الخارج. وبدون توصية كانت صور حياته
المختلفة تنقل الى والده من خلال المصريين العائدين الى مصر.

صور وجوانب مشرقة رسمتها المخابرات الاسرائيلية بإحكام شديد.. وأضفت عليها
هالة من النجاحات أثلجت صدر أبيه بعدما فقد الأمل في إبنه . . وأرسل رجب
خطاباته واضعاً في إسهاب عمله في إحدى الشركات الكبرى .. التي استوعبت
مواهبه واكتشفت فيه عبقرية فذة دفعت بها الى الأمام بعد تعثر طويل ..
فارتقى في وظيفته واحتل مكانة مهمة في بلاد الإغريق. وأكد ذلك للأب كل من
حملوا إليه هدايا ابنه الرقيقة له ولوالدته ولأصحابه. وضمت خطاباته صوراً
فوتوغرافية مختلفة في مكتبه وفي مسكنه.. وفي إحدى رحلاته "الى جزر بحر
إيجه حيث الشاطئ يموج بالحسناوات يرتدين البكيني. . ويطاردن شبح الملل
بالرقص واللهو.

لكل هذه المظاهر المزيفة .. صدق الأهل بالإسكندرية ما تبوأه رجب من نجاح
.. فأرسل إليه والده يرجوه أن يعود الى وطنه مرة ثانية ليعاود نشاطه من
جديد .. وليؤكد نجاحاته على أرض وطنه بعدما صقلت شخصيته. . ودرج على
القيام بمهام صعبة أوصلته الى القمة. . فاستمهله رجب بعض الوقت، وانشغل
بالعسي مع المصريين القادمين بحثاً عن عمل في أثينا فكان يصحبهم – بترتيب
دقيق من الموساد – الى الشركات البحرية في بيريه . . والى شركات تجارية
أخرى في أثينا. . على أمل أن يسقط من بينهم شاب آخر في براثن المخابرات
الاسرائيلية.

لأجل ذلك اختلط العميل الخائن بالمصريين المقيمين باليونان ووطد علاقاته
بهم. . وتعددت خدماته ومواقفه تجاه كل من يلجأ اليه فأحبه الشباب المصري
هناك .. ووجدوا فيه صورة المصري الشهم النبيل . . في حين أنه كان يدير
حوارات سياسية معهم .. ويسجل تقارير مطولة تحمل بين سطورها خسة نياته
القذرة في خدمة جهاز مخابرات العدو .. فبدا كما لو كان قد اندرج لسنوات
طويلة في صفوف أكاديمية الجواسيس في إسرائيل.. وأعيد مرانه وتدريبه في
أثينا على استخدام الحس الأمني والملاحظة والتمويه والخداع. وهذه كلها
أمور أسهب في شرحها "فيكتور أوستروفسكي" في كتابه: "الموساد" حيث بين لنا
كيفية صنع جاسوس محترف في إسرائيل بواسطة أمهر الخبراء . . وأحدث دراسات
علوم المخابرات والجاسوسية في العالم.

فقبل أن يخرج الجاسوس من مخبئه ل****س وظيفته يخضع لبرنامج مكثف لا بد له
أن يجتازه بنجاح وهو عن "خداع المراقبة". . ويدرك جيداً إذا ما كان قد
"ألقى بظلاله" أم لا. . ومن النافذة يستطيع أن يرى الشخص الذي يقتفي أثره
.. وكيف تابعه؟ وعندما يلتقي الجاسوس الظل وخاصة عند الخروج من فندق –
مكتب – متجر. سيجري بسرعة لمدة خمس دقائق . . ويسير بعدها في خط متعرج الى
أحد المباني ويبحث عن نقطة مراقبة ليراقب . وهذه الطريقة ستعطي الجاسوس
الفرصة ليعرف أسلوب المراقبة .. وعليه حينئذ أن يمتنع عن إثارة أية شبهات
أو إتمام عمل .. ويركب وسيلة مواصلات الى مكان آخر بالمدينة خلاف الذي
كان يقصده.

هكذا تدرب الجواسيس وأيقنوا أن هذا التصرف يتعلق بتكتيك السلامة الذي يجب
أن يتبعه كل جاسوس. خاصة إذا كانت ظروف عمله معرضة لبعض الشكوك.

واتبعت الموساد أيضاً مع رجب ذات النظرية التي شرحها "ديفيد تلبيني" في
كتابه: "فرق الرصد" عن كيفية الإثارة التي تتولد لدى الجواسيس والعملاء
الصغار من ذوي "الميول المظهرية". . وقد كان الخائن رجب يعشق اللكنة
العسكرية في الحديث .. والمرافعات العسكرية في الوصف ولو لم يلتحق بالقوات
المسلحة . . وعندما لاحظ خبراء الموساد هذا الاتجاه منحوه رتبة رائد في
الجيش الاسرائيلي إشباعاً لغروره


×××××××××××××××××××××
لم
تكن زهرة فتاة فراش للجواسيس الجدد بل إنها عميلة مدربة أخضعت فكرياً
ومعنوياً وجسدياً لخدمة الموساد. عميلة تؤدي عملاً مهماً وأساسياً لصالح
إسرائيل. وجسدها أحد أركان هذا العمل الأساسية.

إنها تستغل جسدها في تطويع الجواسيس وربطهم بها. . حيث درست وتعلمت أن لكل
رجل عادات وميولاً.. خاصة تظهر جلية عندما يتجرد من ملابسه أمام امرأة
عارية. قد تكون ميوله سوية أو شاذة .. لا يهم .. فإن لديها القدرة على
احتواء كل أنواع الرجال وإشباعهم وتأكيد رجولتهم وتضخيم فحولتهم. إن الجنس
بالنسبة إليها عمل مهم، وترتقي من خلاله وظيفياً ومهنياً إذا ما أبدعت
فيه مع الخونة الذين يجري إعدادهم، وتنال شهادات شكر وتقدير بعد تطويعهم.


ولذا . . لم يكن وجود زهرة على مسرح الحدث عملاً
ثانوياً يحسب على جهاز المخابرات الاسرائيلي. إنه جزء مكمل لتعمية العميل
عن الحقائق والثوابت .. وإخضاعه بتصويره في أوضاع شاذة تظهر مدى ضعفه. .
وخلق دفء عاطفي يزيل غمامة الخوف التي قد تؤثر في إقدام العميل فينشط
ويبدع ويقوم بعمله خير قيام.

مر عام ونصف ولم يزل رجب في أثينا في حضن المخابرات الاسرائيلية يترقب
موعد رجوعه الى الاسكندرية. وعندما اعتقد أنه هيأ "الجو" لعودته .. تحدث
مع أبو ابراهيم ضابط الموساد في السفارة الاسرائيلية الذي أمهله عدة أيام
ليكتب بذلك الى رؤسائه .. ولما جاءت الموافقة .. اشاع رجب خبر عزمه على
العودة الى مصر غانماً بآلاف الدولارات التي جمعها من "أعماله الناجحة" في
اليونان. وعندما أشار عليه البعض بإكمال مسيرة النجاح دون العودة –
مؤقتاً – الى مصر .. تملكته نعرة الوطنية المزيفة .. وأقسم ألا يحرم وطنه
من خبرته وعبقريته التي يشهد بهما الأجانب. وأقيم حفل وداع صغير في أحد
الفنادق حضره بعض المصريين الذين صادقهم هناك . . وبعد نهاية السهرة حمل
حقائبه وتوجه الى المطار في طريقه الى القاهرة.

كان الجو قائظاً في سبتمبر 1970 والإسكندرية لا زالت تموج بعشرات الآلاف
من المصطافين .. الذين هربوا من لسعة القيظ وحرقة الوهج الى الشواطئ
الممتدة الجميلة وفي شقة الحاج عبد المعطي كانت جموع أخرى من البشر تتوافد
لتهنئ الرجل بسلامة وصول ابنه الوحيد من اليونان.

كان الرجل أسعد الناس على سطح الأرض.. وجهه يتهلل بشراً وسحنته تضحك
خطوطها ويرقص قلبه طرباً. والخائن لا يستحي وهو يحكي عن عبقرية مزعومة ..
ويختلق اقاصيص الوهم التي لقنته إياها مخابرات العدو .. فأفاض في الحديث
والوصف وأضفى على نفسه بطولات وبطولات.

وبعدما استقر به المقام عدة أيام، اصطحب مهندس الديكور الى مكتبه القديم
حيث كانت لافتة "شركة رجب للخدمات البحرية" قد ضربتها الشمس وتشققت قشرة
خشبها. وبالداخل كان العنكبوت قد نسج خيوطه فخيمت على كل شيء وبدا المكتب
كمقبرة مهجورة.

وبينما كان المهندس يشرح له تصورات وتخيلات الشقة بعد تجديدها. .حدث زلزال
هز أعماق مصر كلها وضرب فيها الأمل والأمان .. وزحفت جموع الشعوب العربية
لهول الصدمة عندما أعلن موت جمال عبد الناصر.


امتلأت الشوارع بفيضان من البشر كالطوفان يجرف أمامه هدأة الحياة وغفلة
الزمن زحف من الأحياء يغلي، وكتل ملتصقة من الحناجر تصرخ في هلع وبكاء
مرير يمزق القلوب . . وشروخ بدت في الوجوه بفعل الدموع. وتوقفت الحياة
ومادت موازين العقل فلا عقل يصدق أن الزعيم رحل.

ودون أن يدري . . بكى رجب، وكان لا يدري أيبكي ناصر الأمل؟! أم يبكي بذور الخيانة التي تعملقت بداخله وعظمت فروعها؟

وود للحظات لو أن أقدام الباكين الحائرين داسته. لكنه سرعان ما استعظم
ذاته وأبى ألا يضعف. بل سطر أولى رسائله، وكانت هذه الرسالة هي الخطوة
العملية الأولى في عالم الجاسوسية. . رداً على رسالة وصلته بطريق الراديو
تطلب منه مراقبة حركة ميناء الاسكندرية وعما إذا كانت اسلحة سوفييتية
تتدفق على مصر بعد موت زعيمها الأول أم لا ؟ وكانت الرسالة كالتالي:
ملحوظـــــه
(رقم 2) سطور كتبت باللغة العربية بالحبر السري بين سطور الرسالة.

(رقم 1) سطور كتبت باللغة الانجليزية.



الاسكندرية 24/1/1970
صديقي العزيز باولو:
1- خط عادي: وصلتني رسالتكم العزيزة الى قلبي وكم سررت بها.
2- حبر سري: لا زالت أعمال التجديدات في مكتبي جارية وبالرغم من.

1- خط عادي: وتعجبت من فعل الزمن يفرق دائماً بين الأصدقاء.
2- حبر سري: ذلك أقوم بعملي وأراقب الميناء جيداً.

1- خط عادي: والمحبين، ولكنك يا صديقي مهما باعدت المسافات بيننا
2- حبر سري ومنذ صباح الأمس وأنا أراقب سفينة سوفييتية ضخمة.

1- خط عادي: تسكن بأعماق قلبي فالأيام الجميلة التي قضيتها معك.
2- حبر سري: ترسو على الرصيف وحولها حراسة مشددة. السفينة.

1- خط عادي: في جزر كيكلاديس . لا أستطيع مهما حييت أن
2- حبر سري: اسمها ستاليننجراد، وقال لي زميل قديم بالميناء:

1- خط عادي: أنسى طعم حلاوتها وروعتها والصور التي التقطت.
2- حبر سري: إن السفن السوفييتية تتردد بكثافة هذه الأيام.

1- خط عادي: لنا هناك تكاد تنطق بمدى شوقي الى تجديد هذه.
2- حبر سري: على الاسكندرية ونادراً ما تظل الأرصفة خالية منها.

1- خط عادي: الذكريات الجميلة في جزر بحر أيجه وشوارع ومقاه.
2- حبر سري: وعلمت أن بعضها تنزل حمولتها بالليل فقط بواسطة.

1- خط عادي: ومتاجر أثينا الساحرة. إن قلبي يرقص طرباً.
2- حبر سري: الأضواء الكاشفة. ومنذ أسبوع بالضبط نزل.

1- خط عادي: كلما مرت ببالي هذه الأيام الجميلة.
2- حبر سري: عدد كبير من الجنود والخبراء السوفييت.

1- خط عادي: عزيزي باولو: أرجو أن ترسل لي صورة ابنتك.
2- حبر سري: في ذات الوقت الذي تفرغ فيه سفن مصرية أخرى.

1- خط عادي: الجميلة بياتريتشي التي لم يسعدني الحظ برؤيتها.
2- حبر سري: حمولاتها من القمح المستورد من استراليا ومن.

1- خط عادي: خلال زيارتكم القصيرة لليونان. وسوف أحاول.
2- حبر سري: البرازيل.. وشاهدت عدداً كبيراً من الشاحنات العسكرية.

1- خط عادي: في القريب أن أزوركم في إيطاليا وأرى مدينتكم.
2- حبر سري: تنقل صناديق خشبية ضخمة بعضها مغطى بغطاء.

1- خط عادي: الرائعة – تريستا – التي تعشقونها. ومن جانبكم.
2- حبر سري: أزرق أو كاكي وتتجه الى طريق الاسكندرية.

1- خط عادي: لا تدخروا وسعاً في التفكير بجدية في زيارتي.
2- حبر سري: القاهرة الصحراوي، وأنزلت سفينتان حمولتهما.

1- خط عادي: مع احتفالات الكريسماس حيث المناخ هنا في.
2- حبر سري: من الخشب الزان من أسبانيا ورومانيا وتعطلت بالأمس.

1- خط عادي: مصر أكثر من رائع، وبالأخص في صعيد مصر حيث.
2- حبر سري: شاحنة على الطريق محملة بأجولة السكر المستورد.

1- خط عادي: آثار أجدادي الفراعنة تفوح منها رائحة التاريخ.
2- حبر سري: من الاتحاد السوفييتي وسأوافيكم بمشاهداتي.



1- خط عادي: تحياتي لكم وتمنياتي بالسعادة الدائمة.
2- حبر سري: أولاً بأول، وسوف أنتظر رسائلكم.

1- خط عادي: رجب
2- حبر سري: رقم /

1041
××××××××××
ومع إطلالة الأيام الأولى في عام 1971 كان رجب قد
انتهى من تشطيب مكتبه . . ولبس حلة جديدة من بهاء تتفق ورونق أعمال
الديكورات الفخمة .. التي تدل على ذوقه الأوروبي ويساره. .

افتتح المكتب جمع غفير من الأهل والأصدقاء، وملأت إعلانات الدعاية
بالعربية والإنجليزية صفحات الأهرام تعلن عن ميلاد شركة خدمات بحرية
متميزة . . قادرة على تحمل مسؤوليات الشحن والتفريغ وما يخصهما من إجراءات
مع الجهات المختصة.

وساعدته المخابرات الإسرائيلية كثيراً ليحصل على ثقة بعض الشركات البحرية
العالمية ليصبح وكيلاً لها في الاسكندرية .. وتحول مكتبه الى خلية نحل
اضطر معها الى الاستعانة بعدد كبير من الموظفين والسكرتارية، وازدحم
المكتب بالزوار وذوي المصالح، وازدادت الخطابات الواردة اليه من الشركات
الملاحية ومن رؤسائه في أثينا يغذونه بالمعلومات . . ويلقون أوامرهم
وتوجيهاتهم ويدفعونه ليكبر أكثر وأكثر. فازدهرت أعماله بسبب التوكيلات
العالمية التي حصل عليها، وصار اسمه مشهوراً ودخوله الى الميناء بالتصاريح
الممنوحة أمراً سهلاً وقويت علاقاته بالموظفين وبالمديرين.

ولأنه يعمل في "المهنة" فقد كان سؤاله عن أحوال الميناء
يوماً بيوم أمراً عادياً لا يثير ريبة ولا شكوكاً في نياته. . وهذا هو
ما كانت تقصده المخابرات الاسرائيلية. . أي زرع جاسوس داخل ميناء
الاسكندرية يرصد كل أسراره وأوضاعه دون أن يشك فيه أحد. ومرت الشهور تلو
الشهور وهو لا يزال يرتقي سلم النجاح والشهرة، ولم ينس أفضال اليهود عليه
للحظة واحدة.

إنهم أولى أمره الذين ثبتوا قدميه على طريق النجاح، وهم الذين تسعى مصر
ومن خلفها جميع الدول العربية للإضرار بهم رغم قلتهم ومحدودية أرضهم
ومواردهم.

لقد أكدوا له أنهم لا يريدون حروباً مع العرب.. فهم يدافعون عن رقعة صغيرة
من الأرض يعيش عليها أطفالهم وضعافهم. وكلما شن أنور السادات هجماته من
خلال خطبه السياسية .. كان رجب يرتعد خوفاً من حماس وعوده بأن هذا العام
هو عام "الحسم" لتدمير إسرائيل. . وكثرت الرسائل الى رجب بطريق البريد
والراديو .. وتعددت رسائله أيضاً الى "أصدقائه".

وانحبس النفس في رئتيه هلعاً يوم السادس من أكتوبر 1973 وجنودنا البواسل
يعبرون الهزيمة ويدكون خط بارليف الحصين ويكتبون النصر غالياً بدمائهم.

وعندما كانت مصر – بل والأقطار العربية كلها تزغرد للنصر . . كان رجب يبكي
في مكتبه وينتفض جسده خوفاً وشفقة على شعب إسرائيل الذي يقتله العرب بلا
رحمة مجتمعين. وكثرت في تلك الأثناء زياراته للميناء يستقص الأخبار
ويستقي المعلومات بجرأة، دون أن يلفت انتباه أحد، لكثرة أسئلته عن السفن
الراسية بالميناء وفي الغاطس تنتظر الدخول.

لفتت رسائله المتعددة الى أثينا وروما انتباه ضابط المخابرات المصري
المكلف بمراقبة البريد الصادر الى خارج مصر والوارد اليها. واكتشف أمر
الرسائل المشفرة. وقام جهاز المخابرات المصرية بمراقبة بريد رجب عبد المعطي
. . وجرى الكشف عن كل رسائله وصورت وأعيد إغلاق الرسائل بدقة متناهية..
لكي تكون دليل إدانة ضده أمام النيابة وعند محاكمته.

وبينما كان الجاسوس مشحوناً بحماس النصر، وبدأت الخريطة السياسية للمنطقة
تتشكل من جديد .. نشط رجب في رصد حركة الميناء المستمرة وأرسل الرسالة
التالية الى صديقه "الوهمي" ديميتريوس في اليونان:

الاسكندرية 27/11/1974. عزيزي ديمتريوس.

1- خط عادي:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mlwane5.ahladalil.com
 
رجب عبد المعطي...الجاسوس المنتحر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجاسوس الغامض
» من عمليات المخابرات العامة المصرية (جمال حسانين ...... الجاسوس الذي مات مرتين )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الملوانى :: قسم المخابرات العامة والجاسوسية-
انتقل الى: