ما بعد رحيل الشمس
|
(1)
|
الوقت..
|
عين الليل يسبح في شواطئها السواد
|
والدرب يلبس حولنا ثوب الحداد
|
شيخ ينام على الرصيف
|
قط وفأر ميت القط يأكل في بقايا الفأر ثم يدور يرقص في عناد
|
والشيخ يصرخ جائعا ويصيح: يا رب العباد
|
هذا زمان مجاعة و الناس تسقط كالجراد
|
العمر
|
يا للعمر وقت ضائع
|
عام مضى.. عامان.. عشر
|
لست أعرف كم مضى..
|
فالعمر في قدم الرياح
|
والليل يلتهم الصباح
|
والجرح ينزف بالجراح
|
* * *
|
زمني
|
يقول الناس إني جئت في زمن حزين
|
وأنا أقول بأنني
|
قد جئت في الزمن الخطأ
|
ماذا يفيد صوابنا
|
إن صارت الدنيا و صارت الناس كالرقم الخطأ؟
|
خطواتنا الحيرى على هذا الطريق
|
تردد الأنفاس في أعماقنا
|
ونعيش في أوهامنا
|
لكننا نحيا مع الزمن الخطأ
|
* * *
|
عنوان أيامي
|
على المظروف أكتب اسم شارعنا القديم
|
ما عدت أذكر اسم شارعنا الجديد
|
الشارع المسكين صار حكاية..
|
قد غيروه.. وغيروه.. وغيروه
|
ما عاد يذكر اسمه
|
لكنني ما زلت أعرف اسم شارعنا القديم
|
* * *
|
أما أنا
|
قالوا بأني كنت يوما فارس العشق القديم
|
وبأن عمري صار بيتا
|
من بيوت العنكبوت
|
ولأنني رغم القبور.. ورغم موت الأرض
|
أرفض أن أموت
|
قالوا بأني فارس ما زال يرفض أن يموت
|
اليوم الأول بعد رحيل الشمس
|
(2)
|
ما زال حبك أمنيات حائرات في دمي
|
أشتاق كالأطفال ألهو.. ثم أشعر بالدوار
|
وأظل أحلم بالذي قد كان يوما..
|
أحمل الذكرى على صدري شعاعا..
|
كلما أختنق النهار
|
والدار يخنقها السكون
|
فئران حارتنا تعربد في البيوت
|
وسنابل الأحلام في يأس تموت
|
نظرت للمرآة في صمت حزين
|
العمر يرسم في تراب الوجه أحزان السنين
|
أصبحت بعدك كالعوز يردد الكلمات
|
يمضغها وينساها.. ويأكلها
|
ويدرك أن شيئا لا يقال
|
ما عدت أعبأ بالكلام
|
فالناس تعرف ما يقال
|
كل الذي عندي كلام لا يقال
|
اليوم الأول بعد المئة لرحيل الشمس
|
(3)
|
ولدي يسألني: لماذا أنت يا أبتي حزين..
|
لم تبتسم من ألف عام
|
أترى تخاف..
|
الوحش يا أبتاه في النهر الكبير
|
قالوا بأن الوحش قد أكل الطيور
|
ما زال يأكل في الزهور
|
الوحش يأكلنا ويشرب عمرنا
|
ويدور في كل الشوارع يخنق الأطفال يعبث بالقبور
|
الوحش يشرب كل ماء النهر ثم يبول في النهر العجوز
|
ويعود يشرب من جديد
|
والنهر بئر من دموع الناس
|
النهر جرح غائر الأعماق
|
تنبت في جوانحه الجراح
|
والوحش يسكر بالجراح
|
* * *
|
أشتاق عطرك كلما عادت مع الليل الهموم
|
ولدي يقول بأنني
|
لم أبتسم من ألف عام
|
قلبي وحزن النهر والأيتام في برد الطريق
|
حزني عنيد لا ينام
|
اليوم الأول بعد الألف لرحيل الشمس
|
(4)
|
في الدرب رائحة ومنديلي قديم
|
تتسلل الأحزان بين جوانحي
|
تتزاحم الرعشات بين أصابعي..
|
قد مات عصفوري الصغير
|
قد ظل يصرخ في عيون الناس يلتمس النجاة..
|
سقط الصغير على جناح الدار وانسابت دماه
|
الريش يعبث في عيوني مثل غيمات الشتاء
|
ويطير بين جوانحي شبح الدماء
|
ويصيح في صدري البكاء
|
عصفورنا في الدرب مات
|
* * *
|
يمضي علينا العمر.. والحلم الجميل
|
ما زال في صمت يقاوم كل أحزان الرحيل
|
اليوم الأول بعد.. لرحيل الشمس
|
(5)
|
أصبحت لا ألقاك صرت سحابة
|
عبرت على عمري كما يهفو النسيم
|
ورجعت للحزن الطويل
|
ما زلت ألمح بعض عطرك بين أطياف الأصيل
|
يمضي الزمان بعمرنا
|
الخوف يسخر بالقلوب
|
واليأس يسخر بالمنى
|
والناس تسخر بالنصيب
|
عصفورنا قد مات
|
من قال إن العمر يحسب بالسنين
|
* * *
|
الليل لم يرحم رحيل الزيت من قنديلنا
|
أخفى شعاعا كان يحمله القمر
|
والشمعة الثكلى تساقط ضوءها
|
ثم انزوت تبكي على صدر الظلام
|
وأنا أحدق.. كل شيء صار بعدك صامتا
|
الليل والقمر الذبيح
|
الشمعة الحيرى ومزماري الجريح
|
من يأخذ الأيام والعمر الطويل
|
لتعود شمس مدينتي
|
يا شمس.. فارسك القديم..
|
مازال يبكي عمره بعد الرحيل
|